وَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ سَمَّى إمْسَاكًا وَهُوَ الْإِبْقَاءُ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِدَامَةُ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا
(وَالرَّجْعَةُ أَنْ يَقُولَ رَاجَعْتُك أَوْ رَاجَعْت امْرَأَتِي) وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الرَّجْعَةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ قَالَ (أَوْ يَطَأَهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يَلْمِسَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ) وَهَذَا عِنْدَنَا
الرَّدَّ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ كَوْنُهَا بِحَيْثُ لَا تَحْرُمُ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ) إمْسَاكٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ أَوَّلًا وَهُوَ الْمِلْكُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَزُولُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا مِلْكَ بَعْدَ الْعِدَّةِ لِيُسْتَدَامَ، وَكَأَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ كَمَا وَقَعَ الْإِطْلَاقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى رِضَاهَا وَعَدَمِهِ كَذَلِكَ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى قِيَامِ الْعِدَّةِ وَعَدَمِهَا.
أَجَابَ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ قِيَامِهَا ضَرُورِيٌّ لِمَا قُلْنَا
(قَوْلُهُ وَهَذَا صَرِيحٌ) أَلْفَاظُ الرَّجْعَةِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ، فَالصَّرِيحُ رَاجَعْتُك فِي حَالِ خِطَابِهَا وَرَاجَعْت امْرَأَتِي فِي حَالِ غِيبَتِهَا وَحُضُورِهَا أَيْضًا، وَمِنْ الصَّرِيحِ ارْتَجَعْتُك وَرَجَعْتُك وَرَدَدْتُك وَأَمْسَكْتُك.
وَفِي الْمُحِيطِ: مَسَكْتُك بِمَنْزِلَةٍ أَمْسَكْتُك وَهُمَا لُغَتَانِ، فَهَذِهِ يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِهَا بِلَا نِيَّةٍ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يُشْتَرَطُ فِي رَدَدْتُك ذِكْرُ الصِّلَةِ فَيَقُولُ إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي أَوْ إلَى عِصْمَتِي، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الِارْتِجَاعِ وَالْمُرَاجَعَةِ وَهُوَ حَسَنٌ إذْ مُطْلَقُهُ يُسْتَعْمَلُ لِضِدِّ الْقَبُولِ.
وَالْكِنَايَاتُ أَنْتِ عِنْدِي كَمَا كُنْت وَأَنْتِ امْرَأَتِي فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ.
لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ تَصْدُقُ عَلَى إرَادَتِهِ بِاعْتِبَارِ الْمِيرَاثِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِمْسَاكِ وَالنِّكَاحِ وَالتَّزَوُّجِ، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَكُونُ رَجْعَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ رَجْعَةٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ نَأْخُذُ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَكَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ تَزَوُّجَ الزَّوْجَةِ مَلْغِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا فِي ضِمْنِهِ.
قُلْنَا نَحْنُ لَا نَعْتَبِرُهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي ضِمْنِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ لَفْظِ التَّزَوُّجِ مَجَازًا فِي مَعْنَى الْإِمْسَاكِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ قَالَ رَاجَعْتُك بِمَهْرِ أَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ قَبِلْت صَحَّ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي الْمَهْرِ فَيُشْتَرَطُ قَبُولُهَا.
وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ وَالْحَاوِي قَالَ: رَاجَعْتُك عَلَى أَلْفٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَجِبُ الْأَلْفُ وَلَا تَصِيرُ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ كَمَا فِي الْإِقَالَةِ (قَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ) كَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ أَحَدَ قَوْلَيْ مَالِكٍ خِلَافًا، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْجَوَاهِرِ فِي حُصُولِ الرَّجْعَةِ بِرَاجَعْتُكِ بِلَا نِيَّةٍ قَوْلَانِ لِمَالِكٍ كَمَا فِي نِكَاحِ الْهَازِلِ (قَوْلُهُ أَوْ يُقَبِّلُهَا أَوْ يَلْمِسُهَا بِشَهْوَةٍ) يُحْتَمَلُ كَوْنُ الشَّهْوَةِ قَيْدًا فِي اللَّمْسِ لَا فِيهِمَا لِأَنَّهُ أَفْرَدَ النَّظَرَ إلَى الْفَرْجِ بِقَيْدِ الشَّهْوَةِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ غَرَضِهِ التَّشْرِيكُ فِي الْقَيْدِ لَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهِ بَعْدَ الْكُلِّ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ: التَّقْبِيلُ بِشَهْوَةٍ وَالنَّظَرُ إلَى دَاخِلِ فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ رَجْعَةٌ، وَلَمْ يُقَيِّدْ التَّقْبِيلَ فِي الْكِتَابِ.
وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى دُبْرِهَا فَلَيْسَ بِرَجْعَةٍ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَفِي الْبَدَائِعِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يُكْرَهُ التَّقْبِيلُ وَاللَّمْسُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، فَدَلَّ أَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ رَجْعَةً.
وَفِي الْخُلَاصَةِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَكَّنَهَا أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ فَقَيَّدَ الْقُبْلَةَ بِالشَّهْوَةِ، لَكِنَّ قَوْلَهُمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ إنَّ الْفِعْلَ يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الِاسْتِدَامَةِ وَالدَّلَالَةُ إنَّمَا تَقُومُ بِفِعْلٍ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ: أَيْ يَخْتَصُّ حُكْمُهُ بِهِ يُفِيدُ عَدَمَ