وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ حَتَّى يَحْرُمَ وَطْؤُهَا، وَعِنْدَنَا هُوَ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَسَنُقَرِّرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْفِعْلُ قَدْ يَقَعُ دَلَالَةً عَلَى الِاسْتِدَامَةِ كَمَا فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ،
اشْتِرَاطِهَا فِي الْقُبْلَةِ لِأَنَّ الْقُبْلَةَ مُطْلَقًا يَخْتَصُّ حُكْمُهَا بِهِ، بِخِلَافِ اللَّمْسِ وَالنَّظَرِ فَإِنَّهُمَا لَا يَخْتَصَّانِ بِهِ إلَّا إذَا كَانَا عَنْ شَهْوَةٍ لِمَا يُذْكَرُ فَلَا يَكُونَانِ عَنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ دَلِيلًا، وَلَا يَكُونُ النَّظَرُ بِشَهْوَةٍ إلَى غَيْرِ دَاخِلِ الْفَرْجِ مِنْهَا رَجْعَةً.
هَذَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ فِي كَوْنِهِ رَجْعَةً إذَا كَانَ مَا صَدَرَ مِنْهَا بِعِلْمِهِ وَلَمْ يَمْنَعْهَا اتِّفَاقًا، فَإِنْ كَانَ اخْتِلَاسًا مِنْهَا بِأَنْ كَانَ نَائِمًا مَثَلًا لَا بِتَمْكِينِهِ، أَوْ فَعَلَتْهُ وَهُوَ مُكْرَهٌ أَوْ مَعْتُوهٌ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ انْتَهَى، وَعَنْ مُحَمَّد كَقَوْلٍ أَبِي يُوسُفَ.
وَذَكَرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَجْهُ الْأَوَّلِ الِاعْتِبَارُ بِالْمُصَاهَرَةِ لَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ حُرْمَتِهَا بَيْنَ كَوْنِ ذَلِكَ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ، وَكَذَا إذَا أَدْخَلَتْ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مَجْنُونٌ كَانَتْ رَجْعَةً اتِّفَاقًا، كَالْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ إذَا فَعَلَتْ بِالْبَائِعِ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ.
وَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ بِأَنَّ إسْقَاطَ الْخِيَارِ قَدْ يَكُونَانِ بِفِعْلِهَا كَمَا إذَا جَنَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَالرَّجْعَةُ لَا تَكُونُ بِفِعْلِهَا قَطُّ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ فِي الْجَارِيَةِ لَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ بِفِعْلِهَا، هَذَا إذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ فِي الشَّهْوَةِ، فَإِذَا أَنْكَرَ لَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ، وَكَذَا إنْ مَاتَ فَصَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ، وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الشَّهْوَةِ لِأَنَّهَا غَيْبٌ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَلَا تَكُونُ الْخَلْوَة وَلَا الْمُسَافَرَةُ بِهَا رَجْعَةً إلَّا عِنْدَ زُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ، وَتُكْرَهُ الْمُسَافَرَةُ بِهَا كَكَرَاهَةِ خُرُوجِهَا مِنْ الْمَنْزِلِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُكْرَهُ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَخْرَسِ وَمُعْتَقَلِ اللِّسَانِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ سَبَبُ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ الْقَائِمِ أَوْ سَبَبُ اسْتِحْدَاثِ الْحِلِّ الزَّائِلِ.
قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَقَالَ بِالثَّانِي، وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي حِلُّ الْوَطْءِ وَحُرْمَتُهُ، فَعِنْدَنَا يَحِلُّ لِقِيَامِ مِلْكِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا يَزُولُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَكُونُ الْحِلُّ قَائِمًا قَبْلَ انْقِضَائِهَا، وَعِنْدَهُ إنْشَاءُ النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ وَاسْتِيفَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ احْتِيَاطًا، وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي أَنَّ الْإِشْهَادَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا وَشَرْطٌ عِنْدَهُ عَلَى قَوْلٍ لَهُ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ كَذَا فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُسَمَّى إمْسَاكًا (قَوْلُهُ وَسَنُقَرِّرُهُ) أَيْ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهَا: أَيْ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةٌ إلَى آخِرِهِ، وَهُنَاكَ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ) يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ الْمُخْتَصِّ