وَقِيلَ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِيَتَقَرَّرَ حُكْمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ
(وَإِذَا اغْتَسَلَتْ وَنَسِيَتْ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهَا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ، فَإِنْ كَانَ عُضْوًا فَمَا فَوْقَهُ لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ انْقَطَعَتْ) قَالَ ﵁: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ أَنْ لَا تَبْقَى الرَّجْعَةُ لِأَنَّهَا غَسَلَتْ الْأَكْثَرَ. وَالْقِيَاسُ فِيمَا دُونَ الْعُضْوِ أَنْ تَبْقَى لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ لَا يَتَجَزَّأُ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ لِقِلَّتِهِ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ، فَقُلْنَا بِأَنَّهُ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ وَلَا يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا، بِخِلَافِ الْعُضْوِ الْكَامِلِ
وَكَذَا اللَّمْسُ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى مَسِّ الْمُصْحَفِ لِلْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ لِنِسْيَانٍ أَوْ غَلَطٍ أَوْ زِيَادَةِ إتْقَانٍ، وَكَذَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ رُكْنٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ تَجِبُ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِيَتَقَرَّرَ الْحُكْمُ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ فَسَادَهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مُحْتَمَلٌ لِاحْتِمَالِ رُؤْيَةِ الْمَاءِ فِيهَا، وَلَوْ تَيَمَّمَتْ وَقَرَأَتْ أَوْ مَسَّتْ الْمُصْحَفَ أَوْ دَخَلَتْ الْمَسْجِدَ، قَالَ الْكَرْخِيُّ: تَنْقَطِعُ بِهِ الرَّجْعَةُ لِأَنَّ صِحَّةَ هَذِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ، وَقَالَ الرَّازِيّ: لَا تَنْقَطِعُ بِهِ
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ انْقَطَعَتْ) وَذَلِكَ كَنَحْوِ الْأُصْبُعِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْيَنَابِيعِ، وَكَذَا بَعْضُ السَّاعِدِ وَالْعَضُدِ وَالْعُضْوِ الْكَامِلِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ فِي الْعُضْوِ، إلَى قَوْلِهِ: وَالْقِيَاسُ فِيمَا دُونَ الْعُضْوِ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ فِي الْعُضْوِ وَمَا دُونَهُ اسْتِحْسَانٌ، فَالْقِيَاسُ فِي الْعُضْوِ أَنْ تَنْقَطِعَ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَفِي بَعْضِ الْعُضْوِ أَنْ لَا تَنْقَطِعَ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ إلَى حُكْمِ الطَّاهِرَاتِ.
وَلَا يَخْفَى تَأَتِّي كُلٌّ مِنْ الْقِيَاسَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْ الْعُضْوِ وَمَا دُونَهُ فَيَقْتَضِي أَنْ يَتَعَارَضَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قِيَاسَانِ: قِيَاسُ أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَيُوجِبُ انْقِطَاعَ الرَّجْعَةِ، وَقِيَاسُ بَقَاءِ الْحَدَثِ بِعَيْنِهِ فَيُوجِبُ عَدَمَ انْقِطَاعِهَا.
وَمَبْنَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيَاسِ الثَّانِي، إذْ حَاصِلُهُ اعْتِبَارُ ظُهُورِ عَدَمِ إصَابَةِ الْمَاءِ لِشَيْءٍ وَعَدَمُهُ، فَإِذَا ظَهَرَ عَدَمُهُ لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ، وَإِذَا ظَهَرَ ثُبُوتُ الْإِصَابَةِ انْقَطَعَتْ غَيْرَ أَنَّ ظُهُورَ التَّرْكِ يَتَحَقَّقُ فِي الْعُضْوِ لَا فِي الْأَقَلِّ.
عَلَى أَنَّ كَوْنَ أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ قِيَاسًا مَمْنُوعٌ، بَلْ إنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute