للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ أَيْضًا ضَرُورِيَّةٌ اقْتِضَائِيَّةٌ، ثُمَّ قِيلَ تَنْقَطِعُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ عِنْدَهُمَا،

الْوَجْهِ الَّذِي يُسْتَبَاحُ بِهِ لِيَنْتَفِيَ بِهِ قَصْرُ الصِّحَّةِ بِهِ عَلَى فَرْضٍ وَاحِدٍ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ إنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ عَلَى مَا سَمِعْت، فَمَنْ قَالَ إنَّهَا مُطْلَقَةٌ فِي مَوْضِعٍ وَقَالَ فِي آخَرَ إنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ لَمْ يَكُنْ مُنَاقِضًا أَصْلًا.

وَقَوْلُ مَنْ ذَكَرَ فِي تَقْرِيرِهِ إنَّهُ لَا يَرْفَعُ بِيَقِينٍ حَاصِلُهُ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ فَإِنَّ الْمَاءَ يَرْفَعُهُ بِيَقِينٍ، وَهَذَا يَرْفَعُهُ ظَنَّا لِلْخِلَافِ فِي أَنَّ الْحَدَثَ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ أَوْ مُجَرَّدُ مَانِعِيَّةٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ وَحِينَ قِيلَ بِهِ صَارَ مَحِلَّ اجْتِهَادٍ، غَيْرَ أَنَّ الرَّاجِحَ هُوَ الظَّنُّ.

وَالثَّانِي لِمَا قَدَّمْنَا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ عَلَى إثْبَاتِ أَنَّ الْحَدَث وَصْفٌ حَقِيقِيٌّ قَائِمٌ بِالْأَعْضَاءِ زَائِدٌ عَلَى نَفْسِ الْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا إشْكَالَ فِي ارْتِفَاعِهِ بِالتَّيَمُّمِ، وَكَوْنُ الْحَدَثِ يَظْهَرُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهُ، إذْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَدَثَ اعْتِبَارٌ شَرْعِيٌّ فَلَهُ أَنْ يَقْطَعَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ إلَى غَايَةٍ ثُمَّ يُعِيدُهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ، وَالدَّلِيلُ الْمُلْجِئُ إلَى هَذَا كَوْنُ رُؤْيَةِ الْمَاءِ لَا يُعْقَلُ وَجْهُ كَوْنِهَا نَفْسَهَا حَدَثًا ثُمَّ النَّظَرُ فِي وَجْهِ تَعْيِينِ كُلٍّ مِنْهُمْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ بِخُصُوصِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي عَيَّنَهُ فِيهِ، فَأَمَّا وَجْهُ تَخْصِيصِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ أَنَّهُ رَأَى وُجُوبَ الِاحْتِيَاطِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَالِاحْتِيَاطُ فِي اقْتِدَاءِ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ أَنْ لَا يَصِحَّ، وَلَا يُعَلَّلُ هَذَا إلَّا بِجِهَةِ الضَّرُورَةِ فَاعْتَبَرَ لَهَا فَيَقُولُ: لَمَّا كَانَتْ ضَرُورِيَّةً حَيْثُ كَانَتْ تُنْتَقَضُ بِوُجُودِ الْمَاءِ وَلَا تَثْبُتُ إلَّا مَعَ عَدَمِهِ كَانَتْ ضَعِيفَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ فَيَكُونُ الِاقْتِدَاءُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ.

وَفِي الرَّجْعَةِ الِاحْتِيَاطُ فِي انْقِطَاعِهَا وَلَا يُعَلَّلُ إلَّا بِجِهَةِ الْإِطْلَاقِ فَاعْتُبِرَ هَاهُنَا، وَهُمَا لَمَّا عَكَسَا الْحُكْمَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَكْسِ الْمَبْنِيِّ فِيهِمَا بُدٌّ، وَالْبَاقِي بَعْدَ هَذَا إنَّمَا هُوَ النَّظَرُ فِي التَّرْجِيحِ فِي الْخِلَافَيْنِ فِي الْحُكْمِ.

وَعِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُمَا فِي الِاقْتِدَاءِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الرَّجْعَةِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمَا لِأَنَّ الضَّعْفَ الْكَائِنَ فِي طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ لَمْ يَظْهَرْ قَطُّ لَهُ أَثَرٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ عِنْدَنَا، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ شَيْءٌ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ بِهِ وَتَنْقَطِعُ بِهِ الرَّجْعَةُ خُصُوصًا وَالِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ.

هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ اشْتِرَاطَ الْغُسْلِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ لِتَمَامِ الْعَادَةِ قَبْلَ الْعَشَرَةِ يَرُدُّهُ الدَّلِيلُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ لِخُلُوِّهِ عَنْ اشْتِرَاطِهِ، فَاشْتِرَاطُهُ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يَرُدُّهُ النَّصُّ.

فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ تَعَيُّنَ الِانْقِضَاءِ مُنْتَفٍ لِفَرْضِ أَنَّهُ لَيْسَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَاحْتِمَالُ عَوْدِ الدَّمِ دُفِعَ بِأَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ الزَّائِدَ لَا يُجْدِي قَطْعُ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا فِي الْوَاقِعِ وَلَا شَرْعًا، لِأَنَّهَا لَوْ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ بَعْدَ أَنْ قُلْنَا انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ فَكَانَ الْحَالُ مَوْقُوفًا عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ بَعْدَ الْغُسْلِ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ قَبْلَهُ.

وَلَوْ رَاجَعَهَا بَعْدَ هَذَا الْغُسْلِ الَّذِي قُلْنَا إنَّهُ بِهِ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ ثُمَّ عَاوَدَهَا وَلَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي التَّيَمُّمِ فَلَيْسَ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا مُقَيَّدًا، هَكَذَا إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلِّ مِنْ عَشَرَةٍ وَلَمْ يُعَاوِدْهَا أَوْ عَاوَدَهَا وَتَجَاوَزَهَا ظَهَرَ انْقِطَاعُ الرَّجْعَةِ مِنْ وَقْتِ الِانْقِطَاعِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إذْ ذَاكَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ الْغُسْلِ ظَهَرَ صِحَّتُهُ، وَإِنْ عَاوَدَهَا وَلَمْ يَتَجَاوَزْ فَالْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ بِالْعَكْسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَالْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ أَيْضًا ضَرُورِيَّةٌ اقْتِضَائِيَّةٌ) إذْ حِلُّ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْقِرَاءَةِ مِنْ ضَرُورَةِ حِلِّ الصَّلَاةِ وَمُقْتَضَاهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>