وَلَا اشْتِبَاهَ فِي إطْلَاقِهِ
(وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِي الْحُرَّةِ أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي الْأَمَةِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ نِكَاحًا صَحِيحًا وَيَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا أَوْ يَمُوتَ عَنْهَا) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾
التَّزَوُّجُ لَا لِغَيْرِهِ فَأَجَابَ بِلُزُومِ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ فِي الْأَجْنَبِيِّ دُونَ الزَّوْجِ وَهُوَ سَهْلٌ، وَقَدْ يُقَرِّرُ هَكَذَا الْمَنْعُ فِي الْعِدَّةِ عَامٌّ بِالنَّصِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ يَعْنِي انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فَكَيْفَ جَازَ لِلزَّوْجِ تَزَوُّجُهَا فِي الْعِدَّةِ؟ حَاصِلُ هَذَا اسْتِشْكَالُ الْإِطْلَاقِ لِلزَّوْجِ فِي الْعِدَّةِ وَعُمُومُ النَّصِّ يَمْنَعُهُ.
وَالْأَوَّلُ طَلَبُ الْفَرْقِ.
قُلْنَا: عُمُومُهُ فِي ضَمِيرِ تَعْزِمُوا، وَفِي الْعِدَّةِ خَصَّ مِنْهَا الْعِدَّةَ مِنْ الزَّوْجِ نَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ تَخْصِيصُهُ مِنْ الْعُمُومِ الْأَوَّلِ.
وَحِكْمَةُ شَرْعِيَّةِ الْعِدَّةِ فِي الْأَصْلِ أَنْ لَا يَشْتَبِهَ النَّسَبُ (وَلَا اشْتِبَاهَ فِي إطْلَاقِهِ) أَيْ إطْلَاقَ صَاحِبِ الْعِدَّةِ عَنْ ذَلِكَ الْمَنْعِ لِأَنَّ الْمَاءَ مَاؤُهُ فَلِذَلِكَ جَازَ الْإِجْمَاعُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَأَطْلَقَ، وَلَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ بَيَانَ عِلَّةِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ: أَعْنِي الْإِجْمَاعَ، لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ وَالْآيِسَةَ لَا اشْتِبَاهَ فِي حَقِّهِمَا مَعَ عَدَمِ إطْلَاقِ الْغَيْرِ فِيهِمَا بَلْ بَيَانُ عَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ إطْلَاقِهِ، وَعَدَمُ الْمَانِعِ لَا يُعَلَّلُ بِهِ، لَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ مَعَ الْمَانِعِ بَلْ هُوَ مُنْتَفٍ فَجَازَ الْإِجْمَاعُ، وَبَسَطَهُ أَنَّ الْعِدَّةَ بِعِلَّةِ الْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الِاشْتِبَاهِ فَوُجُودُ الْحَاجَةِ إلَى الدَّفْعِ مُقْتَضٍ لِثُبُوتِ الْعِدَّةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّزَوُّجِ، فَفِي مَحِلٍّ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُ الْحَاجَةِ إلَى الدَّفْعِ كَمَا فِي صَاحِبِ الْعِدَّةِ فُقِدَ الْمَانِعُ مِنْ عَدَمِهَا إلَّا أَنَّهُ وُجِدَ الْمُقْتَضِي لِلْعَدَمِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْعَكْسِ: يَعْنِي لَيْسَ عَدَمُهَا عِلَّةً لِعَدَمِ الْحُكْمِ وَلِذَلِكَ ثَبَتَ الْحُكْمُ: أَعْنِي وُجُودَ الْعِدَّةِ مَعَ عَدَمِهَا فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ إمَّا بِعِلَّةٍ أُخْرَى، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إظْهَارُ الْخَطَرِ الْمُحَلِّ إذَا تَأَمَّلْت حَيْثُ مُنِعَ عَنْ وُرُودِ مِلْكِ الِاسْتِمْتَاعِ عَلَيْهِ مُدَّةً لِيَعُزَّ عَلَى الرَّاغِبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْلَقَ مُطْلَقًا كَمَا أَظْهَرَ خَطَرَهُ مَرَّةً أُخْرَى بِاشْتِرَاطِ جَمْعِ النَّاسِ لِيَشْهَدُوهُ أَوْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا أَوْ هِيَ فِيهِمَا تَعَبُّدٌ مَحْضٌ، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُمَا مِنْ حُكْمِ الْعِدَّةِ مَعَ النَّصِّ عَلَيْهِمَا وَفِي غَيْرِهِمَا مُعَلَّلٌ بِمَا قُلْنَا فَلَيْسَتْ الْعِدَّةُ مُطْلَقًا تَعَبُّدِيَّةً
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِي الْحُرَّةِ أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي الْأَمَةِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ إلَخْ) لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُطَلَّقَةِ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا لِصَرِيحِ إطْلَاقِ النَّصِّ، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute