فَالْمُرَادُ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ، وَالثِّنْتَانِ فِي حَقِّ الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ، لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ لِحِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ عَلَى مَا عُرِفَ ثُمَّ الْغَايَةُ نِكَاحُ الزَّوْجِ مُطْلَقًا، وَالزَّوْجِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَشَرْطُ الدُّخُولِ ثَبَتَ بِإِشَارَةِ النَّصِّ وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ النِّكَاحُ عَلَى الْوَطْءِ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ الْإِعَادَةِ إذْ الْعَقْدُ اُسْتُفِيدَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الزَّوْجِ
بِهَا تَحِلُّ بِلَا زَوْجٍ وَهُوَ زَلَّةٌ عَظِيمَةٌ مُصَادِمَةٌ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ رَآهُ أَنْ يَنْقُلَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَعْتَبِرَهُ لِأَنَّ فِي نَقْلِهِ إشَاعَتَهُ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْفَتِحُ بَابٌ لِلشَّيْطَانِ فِي تَخْفِيفِ الْأَمْرِ فِيهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَهُ مِمَّا لَا يُسَوَّغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ لِفَوْتِ شَرْطِهِ مِنْ عَدَمِ مُخَالِفَةِ الْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ.
وَمِمَّا صُرِّحَ فِيهِ بِعَدَمِ الْفَرْقِ مُخْتَارَاتُ النَّوَازِلِ وَالْأَمْرُ فِيهِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ لَا يَبْعُدُ إكْفَارُ مُخَالِفِهِ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ) أَيْ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ طَلَّقَهَا (الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ) لِأَنَّهُ ذَكَرَهَا عَقِيبَ الطَّلْقَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ حَيْثُ قَالَ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ طَلَّقَهَا أَيْ الثَّالِثَةَ هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ الثَّالِثَةَ هِيَ قَوْلُهُ ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ فَإِنَّ «أَبَا رَزِينٍ الْعُقَيْلِيَّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ عَرَفْتُ الطَّلْقَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ؟ فَقَالَ: فِي قَوْلِهِ ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾» كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَكَأَنَّ الْمُرَادَ الْخِلَافُ فِي بَيَانِ شَرْعِيَّةِ الثَّالِثَةِ أَنَّهُ وَقَعَ بِلَفْظِ التَّسْرِيحِ أَوْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ إذْ لَا يُمْكِنُ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ لِأَنَّهُ عَقَّبَهَا بِقَوْلِهِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّسْرِيحِ الثَّالِثَةُ وَلَا تَكْرَارَ، فَإِنَّ الثَّانِيَ ذُكِرَ شَرْطَا لِإِعْطَاءِ حُكْمِ الثَّالِثَةِ، وَالْأَوَّلُ ذُكِرَ لِبَيَانِ ابْتِدَاءِ شَرْعِيَّةِ الثَّالِثَةِ.
وَحَاصِلُهُ أَنْ يُقَالَ شَرَعَهَا ثَلَاثًا وَرَتَّبَ عَلَى الثَّالِثَةِ حُكْمًا وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ وَبَعْدَ هُمَا إمَّا إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِثَالِثَةٍ بِإِحْسَانٍ، فَإِنْ طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ اخْتِيَارًا لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْجَائِزَيْنِ لَهُ فَحُكْمُهُ أَنْ لَا تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ كِلَيْهِمَا مُرَادٌ بِهِ الثَّالِثَةُ (قَوْلُهُ لِحِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ) فِيهِ مَا سَبَقَ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْغَايَةُ) أَيْ غَايَةَ عَدَمِ الْحِلِّ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلا تَحِلُّ لَهُ﴾ هُوَ الزَّوْجُ الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ فَلِذَا قُلْنَا لَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ مَلَكَهَا أَوْ ثَلَاثًا لِحُرَّةٍ فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَمَلَكَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى يُزَوِّجَهَا فَيَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا (قَوْلُهُ وَالزَّوْجِيَّةُ) مُطْلَقًا، وَكَذَا الزَّوْجُ مُطْلَقًا إنَّمَا يَثْبُتُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، أَوْ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ مُضَافًا إلَى الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِهِ مُضَافًا إلَى الْمَاضِي، لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْأَوَّلِ التَّحَصُّنُ وَالْإِعْفَافُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالصَّحِيحِ، وَفِي الثَّانِي صِدْقُ الْإِخْبَارِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالتَّزَوُّجِ فَاسِدًا وَلِذَا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِالْفَاسِدِ لَا فِي حَلِفِهِ لَا يَتَزَوَّجُ (قَوْلُهُ وَشَرْطُ الدُّخُولِ ثَبَتَ بِإِشَارَةِ النَّصِّ إلَخْ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَلَى تَقْدِيرِ حَمْلِهِ عَلَى الْوَطْءِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِعِبَارَةِ النَّصِّ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالسَّوْقِ (قَوْلُهُ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ الْإِعَادَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْإِعَادَةَ لَازِمٌ عَلَى تَقْدِيرِ حَمْلِ لَفْظِ تَنْكِحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute