للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ الْآيَةُ (فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ الْحِنْثِ (وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ)

بِهَذَا اللَّفْظِ. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلَ امْرَأَةِ فُلَانٍ وَقَدْ كَانَ فُلَانٌ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ، فَإِنْ نَوَى الْإِيلَاءَ كَانَ مُولِيًا لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِهَا فِي الْيَمِينِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْيَمِينَ وَلَا التَّحْرِيمَ لَا يَكُونُ مُولِيًا.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْإِيلَاءُ الْحَلِفُ إلَخْ، وَقَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ امْرَأَةِ فُلَانٍ أَوْ أَنَا مُولٍ لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ حَلِفٍ إنْشَائِيَّةٍ وَلَا تَعْلِيقِيَّةٍ، لِأَنَّ مَعْنَى الْحَلِفِ قَوْلُهُ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَنَحْوَهُ أَوْ إنْ قَرِبْتُك، وَلَيْسَ قَوْلُهُ أَنْتِ مِثْلُهَا إيَّاهُ وَلَا مُحَقِّقًا لِوُجُودِهِ لِفَرْضِ عَدَمِ وُجُودِهِ سَابِقًا وَلَاحِقًا، إلَّا أَنَّ هَذَا جَوَابُ الرِّوَايَةِ، صَرَّحَ بِهِ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَفِيهِ: لَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى أَشْرَكْتُك فِي إيلَاءِ هَذِهِ كَانَ بَاطِلًا.

وَلَوْ قَالَ: إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَهُوَ مُولٍ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ أَنَا مِنْك مُولٍ مَعْنَاهُ أَنَا مِنْك حَالِفٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ أَحْلِفُ فَقَطْ كَمَا يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ فَيَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ أَنَا حَالِفٌ، وَكَذَا التَّشْبِيهُ الْمَذْكُورُ يَئُولُ إلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ: لَا وَطِئْتُك فِي الدُّبُرِ أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَصِرْ مُولِيًا، خِلَافًا لِمَالِكٍ ، وَلَوْ قَالَ: لَا جَامَعْتُك إلَّا جِمَاعَ سُوءٍ. سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ صَارَ مُولِيًا، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت جِمَاعًا ضَعِيفًا لَا يَزِيدُ عَلَى نَحْوِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَلَيْسَ بِمُولٍ، وَكَذَا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ مُولٍ

(قَوْلُهُ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) لَيْسَ حُكْمُ الْمُولِي مُطْلَقًا عَلَى تَقْدِيرِ الْحِنْثِ بَلْ حُكْمُ هَذَا الْمُولِي الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ وَاَللَّهِ إلَخْ لِمَا سَتَعْرِفُ أَنَّ الْمُولِيَ قَدْ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ الْكَفَّارَةُ بِذَلِكَ التَّقْدِيرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: لَا كَفَّارَةَ فِي خُصُوصِ هَذَا الْحِنْثِ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ الْمَغْفِرَةَ بِتَقْدِيرِ الْفَيْءِ، وَالْمُرَادُ الْجِمَاعُ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ الرُّجُوعُ، وَبِالْجِمَاعِ يَتَحَقَّقُ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ التَّرْكِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وَقَوْلُهُ الْجَدِيدُ كَقَوْلِنَا لِأَنَّ وَعْدَ الْمَغْفِرَةِ بِسَبَبِ الْفَيْئَةِ الَّتِي هِيَ مِثْلُ التَّوْبَةِ لَا يُنَافِي إلْزَامَ الْكَفَّارَةِ بَلْ ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ انْفِكَاكُ التَّلَازُمِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ: أَعْنِي الْمَغْفِرَةَ وَسُقُوطَ الْكَفَّارَةِ، وَثُبُوتُ أَحَدِهِمَا مَعَ نَقِيضِ الْآخَرِ مُسْتَمِرٌّ فِي كُلِّ حَلِفٍ عَلَى مَعْصِيَةٍ إذَا حَنِثَ الْحَالِفُ فِيهَا تَوْبَةٌ، فَإِنَّ التَّوْبَةَ تَثْبُتُ مَعَ عَدَمِ سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا إعْمَالًا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ﴾ الْآيَةَ، وَقَالَ النَّبِيُّ فِي الصَّحِيحِ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَهُوَ قَوْلُ الْأَرْبَعَةِ وَالْجُمْهُورِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. قَالَ قَتَادَةُ: خَالَفَ الْحَسَنُ النَّاسَ (قَوْلُهُ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>