للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَإِنْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَهَا الْمَالُ) لِأَنَّ الزَّوْجَ يَسْتَبِدُّ بِالطَّلَاقِ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا وَقَدْ عَلَّقَهُ بِقَبُولِهَا، وَالْمَرْأَةُ تَمْلِكُ الْتِزَامَ الْمَالِ لِوِلَايَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَمِلْكِ النِّكَاحِ مِمَّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا

قَالَ «لَا يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ الْمُخْتَلِعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ سَلُولَ أَتَتْ النَّبِيَّ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ لَا أُطِيقُهُ بُغْضًا، فَقَالَ النَّبِيُّ : أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ نَعَمْ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا حَدِيقَتَهُ وَلَا يَزْدَادُ» وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَسَمَّاهَا فِيهِ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الزِّيَادَةَ، وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَسَمَّاهَا حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّةَ، وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ خُلْعٍ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا بِانْفِرَادِهِ، وَعِنْدَ غَيْرِنَا إذَا اُعْتُضِدَ بِمُرْسَلٍ آخَرَ يُرْسِلُهُ مَنْ رَوَى عَنْ غَيْرِ رِجَالِ الْأَوَّلِ أَوْ بِمُسْنَدٍ كَانَ حُجَّةً.

وَقَدْ اُعْتُضِدَ هُنَا بِهِمَا جَمِيعًا وَظَهَرَ لَك الْخِلَافُ فِي اسْمِ الْمَرْأَةِ جَمِيلَةَ أَوْ حَبِيبَةَ أَوْ زَيْنَبَ، وَفِي اسْمِ أَبِيهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ أَوْ سَلُولَ أَوْ سَهْلٍ وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ.

فَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نُفَيْلٍ: أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ تَمْلِكُهُ فَخُوصِمَ فِي ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَأَجَازَهُ وَأَمَرَهُ بِأَخْذِ عِقَاصِ رَأْسِهَا فَمَا دُونَهُ. وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ جَاءَتْهُ مَوْلَاةٌ لِامْرَأَتِهِ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَهَا وَمِنْ كُلِّ ثَوْبٍ حَتَّى نَقَبَتْهَا. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رُفِعَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ نَشَزَتْ عَلَى زَوْجِهَا فَقَالَ اخْلَعْهَا وَلَوْ مِنْ قُرْطِهَا.

ذَكَرَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : لَا يَأْخُذُ مِنْهَا فَوْقَ مَا أَعْطَاهَا. وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ عِمْرَانَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا.

وَقَالَ طَاوُسٌ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَأَوْرَدَ أَنَّ شَرْطَ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ أَنْ لَا يُعَارِضَ الْكِتَابَ وَهَذَا مُعَارِضٌ قَوْلَهُ ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ أُجِيبَ إذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ عُورِضَ بِنَصٍّ آخَرَ مِثْلِهِ خَرَجَ عَنْ الْقَطْعِيَّةِ فِي الْحُكْمِ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إنْ كَانَ مُعَارِضًا لِنَصٍّ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِآخَرَ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ فَكَانَ فِي الْحَقِيقَةِ مُعَارَضَةَ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ فَجَازَ التَّمَسُّكُ بِهِ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِأَحَدِ النَّصَّيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْأَخْذِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُقَيَّدٌ بِنُشُوزِهِ وَحْدِهِ وَإِطْلَاقُ الْأَخْذِ مِنْهَا قُيِّدَ بِنُشُوزِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَلَا تَعَارُضَ فَلَا تَخْصِيصَ، لِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَامِ غَيْرُ صَادِقٍ عَلَى مَوْرِدِ الْخَاصِّ لِيَكُونَ خِلَافَ حُكْمِهِ فِي بَعْضِ مُتَنَاوِلَاتِهِ تَخْصِيصًا. لَا يُقَالُ: أَخْذُ الزِّيَادَةِ أَيْضًا غَيْرُ مُتَنَاوِلٍ الْمُطَلَّقَةَ لِأَنَّهَا فِي نُشُوزِهِمَا وَنُشُوزُهَا وَحْدَهَا لَيْسَ نُشُوزَهُمَا. لِأَنَّا نَقُولُ:

تَثْبُتُ إبَاحَةُ أَخْذِ الزِّيَادَةِ فِي نُشُوزِهَا وَحْدَهَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى كَمَا بَيَّنَّا، وَعَلَى هَذَا فَيَظْهَرُ كَوْنُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَوْجَهَ. نَعَمْ يَكُونُ أَخْذُ الزِّيَادَةِ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَيَكُونُ مَحْمَلُ مَنْعِهِ ثَابِتًا مِنْ أَنْ يَزْدَادَ الْحَمْلُ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى وَطَرِيقُ الْقُرْبِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا إلَخْ) صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>