وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُبَارَأَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْبَرَاءَةِ فَتَقْتَضِيهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَنَّهُ مُطْلَقٌ قَيَّدْنَاهُ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ لِدَلَالَةِ الْغَرَضِ أَمَّا الْخُلْعُ فَمُقْتَضَاهُ الِانْخِلَاعُ وَقَدْ حَصَلَ فِي نَقْضِ النِّكَاحِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى انْقِطَاعِ الْأَحْكَامِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخُلْعَ يُنَبِّئُ عَنْ الْفَصْلِ وَمِنْهُ خَلَعَ النَّعْلَ وَخَلَعَ الْعَمَلَ وَهُوَ مُطْلَقٌ كَالْمُبَارَأَةِ فَيُعْمَلُ بِإِطْلَاقِهِمَا فِي النِّكَاحِ وَأَحْكَامِهِ وَحُقُوقِهِ.
الْمُعَاوَضَةِ لَيْسَ إلَّا فِي وُجُوبِ الْمُسَمَّى لَا فِي إسْقَاطِ غَيْرِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ، وَلِذَا لَا يَسْقُطُ دَيْنٌ آخَرُ وَلَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ مَعَ أَنَّ النَّفَقَةَ أَضْعَفُ مِنْ الْمَهْرِ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُبَارَأَةَ مِنْ الْبَرَاءَةِ فَتَقْتَضِي الْبَرَاءَةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَنَّهُ مُطْلَقٌ) فِي كُلِّ دَيْنٍ إلَّا أَنَّا (قَيَّدْنَاهُ بِالْوَاجِبِ بِالنِّكَاحِ لِدَلَالَةِ الْغَرَضِ) فَإِنَّ الْغَرَضَ الْمُبَارَأَةُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ، أَمَّا الْخُلْعُ فَإِنَّمَا يَقْتَضِي فَصْلًا وَانْخِلَاعًا، وَحَقِيقَتُهُ تَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ النِّكَاحِ غَيْرُ مُتَوَقِّفَةٍ عَلَى سُقُوطِ الْمَهْرِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵁ أَنَّ الْخُلْعَ صَلَّحَ وَضْعًا شَرْعًا لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ الْكَائِنَةِ بِسَبَبِ النُّشُوزِ الْكَائِنِ بِسَبَبِ الْوَصْلَةِ الْقَائِمَةِ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ، فَتَمَامُ تَحَقُّقِ مَقْصُودِهِ بِجَعْلِهِ مُسْقِطًا لِمَا وَجَبَ بِسَبَبِ تِلْكَ الْوَصْلَةِ فَيَسْقُطُ الْمَهْرُ وَإِلَّا عَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْصِ لِأَنَّ لَفْظَهُ وَلَفْظَ الْمُبَارَأَةِ يُفِيدُ إطْلَاقَهُمَا ذَلِكَ فِي الْمُبَارَأَةِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَلَفْظُ الْخُلْعِ يُفِيدُ انْخِلَاعَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ دُونَ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، فَإِنَّهُ إذَا انْخَلَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ بِأَنْ يَنْخَلِعَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ انْخَلَعَ الْآخَرُ كَذَلِكَ، وَثُبُوتُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِسُقُوطِ مُطَالَبَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِمُوَاجِبِ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ لَفْظِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ بِالنِّكَاحِ.
عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ كَالْخُلْعِ يَسْقُطُ بِهِ مَا يَسْقُطُ بِالْخُلْعِ، وَبِخِلَافِ دَيْنٍ آخَرَ لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْخُلْعِ لِقَطْعِ النِّزَاعِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِ وَصِلَةِ النِّكَاحِ لَا مُطْلَقًا، وَبِخِلَافِ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَوَاجِبِ النِّكَاحِ، بَلْ يَحْدُثُ وُجُوبُ تَعَلُّقِهَا بَعْدَهُ حَتَّى لَوْ شَرَطَا سُقُوطَهَا فِي الْخُلْعِ سَقَطَتْ بِاعْتِبَارِ مَا تَسْتَحِقُّهُ وَقْتَ الْخُلْعِ، وَالْبَاقِي سَقَطَ تَبَعًا فِي ضِمْنِ الْخُلْعِ، أَمَّا لَوْ لَمْ تَسْقُطْهَا حَتَّى انْخَلَعَتْ ثُمَّ أَسْقَطَتْ لَا تَسْقُطُ لِإِسْقَاطِهَا حِينَئِذٍ قَصْدًا لِمَا لَمْ يَجِبْ، فَإِنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا بِخِلَافِ ذَلِكَ الْإِسْقَاطِ الضِّمْنِيِّ، وَأَمَّا السُّكْنَى فَلَمَّا كَانَتْ فِي غَيْرِ بَيْتِ الطَّلَاقِ مَعْصِيَةٌ لَا يَصِحُّ إسْقَاطُهَا بِحَالٍ إلَّا إنْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ مَئُونَةِ السُّكْنَى بِأَنْ كَانَتْ سَاكِنَةً فِي بَيْتِ نَفْسِهَا، أَوْ أَنَّهَا تُعْطَى الْأُجْرَة مِنْ مَالِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ حِينَئِذٍ الْتِزَامُهَا ذَلِكَ.
وَفِي الْقُنْيَةِ: الْإِبْرَاءُ وُجِدَ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ النَّفَقَةِ فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عِنْدَهُ. قِيلَ مَا سَبَقَ هُوَ الصَّحِيحُ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ يَبْطُلُ بِالْإِبْرَاءِ بَعْدَ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، لَكِنْ فِي الْيَنَابِيعِ: لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute