للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِكَوْنِهِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا فَيُنَاسِبُ الْمُجَازَاةَ عَلَيْهَا بِالْحُرْمَةِ، وَارْتِفَاعُهَا بِالْكَفَّارَةِ. ثُمَّ الْوَطْءُ إذَا حَرُمَ حَرُمَ بِدَوَاعِيهِ كَيْ لَا يَقَعَ فِيهِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ، بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمِ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ وُجُودُهُمَا، فَلَوْ حَرُمَ الدَّوَاعِي يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ الظِّهَارُ وَالْإِحْرَامُ.

لِكَوْنِهِ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا) بِالنَّصِّ فَيُنَاسِبُ الْمُجَازَاةَ عَلَى هَذِهِ الْجِنَايَةِ بِالْحُرْمَةِ وَارْتِفَاعُ هَذِهِ الْحُرْمَةِ بِالْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْوَطْءُ إذَا حَرُمَ حَرُمَ بِدَوَاعِيهِ) تُفِيدُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ إذْ طَرِيقُ الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ، وَعَلَى هَذَا اسْتَمَرَّ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ، وَثَبَتَ مِنْ الشَّرْعِ خِلَافُهُ فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ، «فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُقَبِّلُ إحْدَى نِسَائِهِ وَهُوَ صَائِمٌ».

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَتَّزِرَ فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ» فَوَجَبَ الْبَحْثُ عَنْ حِكْمَةِ الْفَرْقِ شَرْعًا بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ لِيَنْظُرَ هَلْ الظِّهَارُ مِنْ قَبِيلِ مَا يَقْتَضِي الْفَرْقُ تَحْرِيمَ الدَّوَاعِي فِيهِ كَمَا قُلْنَا نَحْنُ وَمَالِكٌ؟

وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْوَطْءِ نَصًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ، أَوْ تَحْلِيلُهَا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي قَوْلِهِمَا الْآخَرِ فَنَظَرْنَا فَعَقَلْنَا كَوْنَ حِكْمَتِهِ لُزُومَ الْحَرَجِ لَوْ حُرِّمَتْ الدَّوَاعِي فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِمَا وَوُقُوعِ ضِدِّهِمَا مِنْ الْفِطْرِ وَالطُّهْرِ فَعَلَى كَثْرَةِ وُقُوعِهِمَا يَلْزَمُ الْحَرَجُ بِمَنْعِ الدَّوَاعِي، وَعَنْ كَثْرَةِ وُقُوعِ الضِّدَّيْنِ الظَّاهِرَيْنِ فِي كَثْرَةِ وُجُودِ الْجِمَاع يَنْتَفِي لُزُومُ شَرْعِ الزَّاجِرِ الْمَبَالِغ فَلَا يَحْرُمُ الدَّوَاعِي بِخِلَافِ الظِّهَارِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِحْرَامِ لَا تَكْثُرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ شَخْصٍ فَاسْتَمَرَّ عَلَى الْأَصْلِ، وَتَقَدَّمَ لَهُ فِي الِاعْتِكَافِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ فِي حُرْمَةِ الدَّوَاعِي فِيهِ لَا فِي الصَّوْمِ بِأَنَّ الْجِمَاعَ مَحْظُورُ الِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْهُ رُكْنُهُ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى دَوَاعِيهِ، وَقُرِّرَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْفَرْقَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ التَّحْرِيمِ الثَّابِتِ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ، وَالتَّحْرِيمُ الثَّابِتُ بِالنَّهْيِ لَمَّا كَانَ الثَّانِي أَقْوَى بِسَبَبِ أَنَّ النَّهْيَ تَنَاوَلَهُ مَقْصُودًا فَتَعَدَّى إلَى الدَّوَاعِي، بِخِلَافِ الثَّابِتِ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ نَهْيٌ أَصْلًا بَلْ طَلَبُ شَيْءٍ يَسْتَلْزِمُ وُجُودُهُ عَدَمَ ذَلِكَ فَحَرُمَ ذَلِكَ لِتَأْدِيَتِهِ إلَى تَفْوِيتِ الْمَطْلُوبِ لَا مَقْصُودًا فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى دَوَاعِيهِ. فَافْتَرَقَ الْحَالُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ لِثُبُوتِ حُرْمَةِ الْجِمَاعِ فِيهَا بِالنَّهْيِ، قَالَ تَعَالَى ﴿وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ وَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ نَفْيٌ مُسْتَعَارٌ لِلنَّهْيِ

<<  <  ج: ص:  >  >>