للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى وَلَا يَعُودُ حَتَّى يُكَفِّرَ) «لِقَوْلِهِ لِلَّذِي وَاقَعَ فِي ظِهَارِهِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ اسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ» وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ وَاجِبًا لَنَبَّهَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ (وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ)

لِتَأْكِيدِهِ.

وَقَالَ «أَلَا لَا تُنْكَحُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» وَقَالَ تَعَالَى فِي الْأَخِيرَيْنِ ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ﴾ وَلَمَّا كَانَ هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ حُرْمَةِ الدَّوَاعِي لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْكَفَّارَةِ قَبْلَ التَّمَاسِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ فَإِنَّهُ مَصْدَرٌ وَاقِعٌ بَدَلًا مِنْ اللَّفْظِ بِالْفِعْلِ فَيَحْرُمُ الْجِمَاعُ لِتَفْوِيتِهِ الْمَأْمُورَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ قَبْلَ التَّمَاسِّ مَعَ أَنَّهُ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الدَّوَاعِي فِي الْحَيْضِ لِأَنَّ (اعْتَزِلُوا) هُوَ نَفْسُ مَعْنَى النَّهْيِ حَتَّى أَنَّهُمْ لَمْ يَمْثُلُوا لِلنَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ إلَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾

وَلِمَ يُسَمُّوهُ إلَّا مَنْهِيًّا عَنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ النَّهْيَ لِلنَّفْسِ طَلَبُ التَّرْكِ عَدَلَ إلَى مَا ذُكِرَ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الدَّوَاعِيَ مَنْصُوصٌ عَلَى مَنْعِهَا فِي الظِّهَارِ، وَالْمَذْكُورُ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ إنَّمَا هُوَ حِكْمَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الظِّهَارِ وَمَا ذُكِرَ، أَمَّا كَوْنُهَا مَنْصُوصًا عَلَى مَنْعِهَا فَإِنَّهُ قَوْله تَعَالَى ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ لَا مُوجِبَ فِيهِ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ لِإِمْكَانِ الْحَقِيقَةِ، وَيَحْرُمُ الْجِمَاعُ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ التَّمَاسِّ، فَكُلٌّ مِنْ الْقُبْلَةِ وَالْمَسِّ وَالْجِمَاعِ أَفْرَادُ التَّمَاسِّ فَيَحْرُمُ الْكُلُّ بِالنَّصِّ، وَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِ الْمُخَالِفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ ) رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ، وَفِي لَفْظٍ: بَيَاضَ سَاقَيْهَا، قَالَ: فَاعْتَزِلْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ» وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ «فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.

وَنَفَى كَوْنَ هَذَا الْحَدِيثِ صَحِيحًا رَدَّهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِأَنَّهُ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَشْهُورٌ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ إلَى آخِرِ السَّنَدِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ عَنْ النَّبِيِّ «فِي الْمُظَاهِرِ يُوَاقِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ قَالَ: كَفَّارَةً وَاحِدَةً» وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَأَمَّا ذِكْرُ الِاسْتِغْفَارِ فِي الْحَدِيثِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَهُوَ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَلَفْظُهُ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ يُظَاهِرُ ثُمَّ يَمَسُّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ يَكُفُّ عَنْهَا حَتَّى يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ وَيُكَفِّرَ، ثُمَّ قَالَ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت (قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ وَاجِبًا لَنَبَّهَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مَقَامُ الْبَيَانِ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَذْكُورَ تَمَامُ حُكْمِ الْحَادِثَةِ فَلَا تَجِبُ كَفَّارَتَانِ كَمَا نُقِلَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَبِيصَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ، وَلَا ثَلَاث كَفَّارَاتٍ كَمَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ.

(قَوْلُهُ وَهَذَا اللَّفْظُ) أَيْ قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ) أَوْ الْإِيلَاءَ أَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ شَيْئًا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا إلَيْهِ اتِّبَاعُ الْمَشْرُوعِ لَا تَغْيِيرُهُ، وَهَذَا يَعُمُّ مَا قُلْنَا، وَمَا فِي الْكِتَابِ يَخُصُّ قَصْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>