لِأَنَّهُنَّ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ كَالْأُمِّ (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ رَأْسُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ فَرْجُك أَوْ وَجْهُك أَوْ رَقَبَتُك أَوْ نِصْفُك أَوْ ثُلُثُك أَوْ بَدَنُك) لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الشَّائِعِ ثُمَّ يَتَعَدَّى كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الطَّلَاقِ
أَخْرَجَتْ فُرُوعًا كَثِيرَةً عَنْ تَفْرِيقِ مَا جَمَعْنَاهُ مِثْلُ فَرْجُك كَفَرْجِ أُمِّي فَرْجُك كَفَخْذِ أُمِّي يَكُونُ ظِهَارًا بَطْنُك كَفَرْجِهَا لَا يَكُونُ ظِهَارًا.
وَوَجْهُ الِاعْتِبَارِ فِي الْمُشَبَّهَةِ بِكَوْنِ الْعُضْوِ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَالْجُزْءُ الشَّائِعُ مَا أَحَالَ عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَةَ هُنَا كَالْمُطَلَّقَةِ هُنَاكَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ، وَفِي الْمُشَبَّهِ بِهَا بِكَوْنِ الْعُضْوِ مِمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْمُحَرَّمَةِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الظِّهَارَ لَيْسَ إلَّا تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ إلَخْ وَقَدْ تَمَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَحْثِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُنَّ) أَيْ أُخْتُهُ وَعَمَّتُهُ وَأُمُّهُ مِنْ الرَّضَاعِ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ كَالْأُمِّ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ عَمَّتِك أَوْ أُخْتِك لِأَنَّ حُرْمَتَهُمَا لَيْسَتْ عَلَى التَّأْبِيدِ بَلْ مُوَقَّتَةٌ بِانْقِطَاعِ عِصْمَتِهِ لَهَا. ثُمَّ الْمُرَادُ تَأَبُّدُ الْحُرْمَةِ بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ فَإِنَّ الْمَجُوسِيَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَلَوْ قَالَ كَظَهْرِ مَجُوسِيَّةٍ لَا يَكُونُ ظِهَارًا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَامِعِ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ بِاعْتِبَارِ دَوَامِ الْوَصْفِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ إسْلَامِهَا، بِخِلَافِ الْأُمِّيَّةِ وَالْأُخْتِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا.
لَا يُقَالُ: يُرَدُّ عَلَى اشْتِرَاطِ تَأَبُّدِ الْحُرْمَةِ مَا لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ هَذِهِ يَنْوِي الظِّهَارَ فَهُوَ مُظَاهِرٌ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَعْدَ التَّكْفِيرِ مَعَ أَنَّ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الظِّهَارِ فِي هَذِهِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِ قَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لِأَنَّ تَشْبِيهَهَا بِمَنْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي ذَلِكَ، فَالظِّهَارُ فِيهَا بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ وَجْهِ الشَّبَهِ الْمُرَادِ لَا بِاعْتِبَارِ نَفْسِ التَّشْبِيهِ بِهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ آخَرَ ظَاهَرَ زَوْجُهَا مِنْهَا فَقَالَ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ فُلَانَةَ يَنْوِي ذَلِكَ صَحَّ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ مَوْتِهَا. وَفِي التُّحْفَةِ: لَوْ شَبَّهَ بِامْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ فِي حَالَةٍ أُخْرَى مِثْلُ أُخْتِ امْرَأَتِهِ وَمِثْلُ امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَوْ مُرْتَدَّةٍ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْأُمِّ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذِهِ كِنَايَاتٌ فَلَا تَكُونُ ظِهَارًا وَلَا إيلَاءٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَبَعْدَ اشْتِرَاطِ تَأْبِيدِ الْحُرْمَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا؟ شَرَطَهُ فِي النِّهَايَةِ لِتَخْرُجَ أُمُّ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَبِنْتُهَا لِأَنَّهُ لَوْ شَبَّهَهَا بِهِمَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، لَكِنَّ الْخِلَافَ مَنْقُولٌ فِي هَذِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مُظَاهِرًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى نَفَاذِ حُكْمِ الْحَاكِمِ لَوْ قَضَى بِحِلِّهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْفُذُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مُظَاهِرًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى نَفَاذِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِحِلِّ نِكَاحِهَا وَعَدَمِهِ، فَظَهَرَ مِمَّا نَقَلْنَا أَنَّ مَبْنَى ثُبُوتِ الْخِلَافِ فِي الظِّهَارِ وَعَدَمَهُ لَيْسَ كَوْنُ الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ مُجْمَعًا عَلَيْهَا أَوَّلًا، بَلْ كَوْنُهَا يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ أَوَّلًا، وَعَدَمُ تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ لِوُجُودِ الْإِجْمَاعِ أَوْ النَّصِّ الْغَيْرِ الْمُحْتَمَلِ لِلتَّأْوِيلِ مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةِ نَصٍّ آخَرَ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَإِنْ كَانَتْ الْمُعَارَضَةُ ثَابِتَةً فِي الْوَاقِعِ، وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ فِي كَوْنِ الْمَحِلِّ يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ وَفِي نَفَاذِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِخِلَافِهِ، وَلِذَا فَرَّقَ فِي الْمُحِيطِ بِوُجُودِ النَّصِّ عَلَى الْحُرْمَةِ بِالْوَطْءِ وَعَدَمِهِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِبِنْتِهَا لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْوَطْءَ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا وَحُرْمَةَ الدَّوَاعِي غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا.
وَفِي الدِّرَايَةِ: فِي كَظَهْرِ أُخْتِي مِنْ لَبَنِ الْفَحْلِ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ مَعَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ، كَأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute