للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي الْكَافِرَةِ وَيَقُولُ: الْكَفَّارَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى عَدُوِّ اللَّهِ كَالزَّكَاةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ وَقَدْ تَحَقَّقَ، وَقَصْدُهُ مِنْ الْإِعْتَاقِ التَّمَكُّنُ مِنْ الطَّاعَةِ ثُمَّ مُقَارَفَتُهُ الْمَعْصِيَةَ يُحَالُ بِهِ إلَى سُوءِ اخْتِيَارِهِ

﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾.

ثُمَّ أَعَادَ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ مَعَ الصِّيَامِ فَقَالَ ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ ثُمَّ أَطْلَقَ الْإِطْعَامَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ فَلَوْ أُرِيدَ التَّقْيِيدُ فِي الْإِطْعَامِ لَذُكِرَ كَمَا ذُكِرَ فِيهِمَا بَلْ تَخْصِيصُهُ بِالْإِطْلَاقِ بَعْدَمَا نَصَّ عَلَى تَكْرِيرِ الْقَيْدِ مَعَ التَّخْصِيصِ غَيْرُ مُكْتَفًى بِهِ لِتَقْيِيدِهِ فِي التَّحْرِيرِ قَرِينَةً عَلَى قَصْدِ الْإِطْلَاقِ فِيهِ، وَمَا قِيلَ ذَكَرَهُ مَرَّتَيْنِ تَنْبِيهٌ عَلَى إرَادَةِ تَكَرُّرِهِ مُطْلَقًا إذْ هُوَ دُفِعَ لِتَوَهُّمِهَا اخْتِصَاصَهُ بِالْخَصْلَةِ الْأُولَى لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مَعَهَا وَلِتَوَهُّمِ اخْتِصَاصِهِ بِالْأَخِيرَةِ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مَعَهَا وَلِلتَّطْوِيلِ لَوْ أَعَادَ مَعَهَا بَعْدَهُمَا فَكَلَامُهُ غَيْرُ جَارٍ عَلَى قَوَانِينِ الِاسْتِدْلَالِ بَلْ هُوَ تَحْسِينٌ، ثُمَّ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ تَخْصِيصَهُ بِالْإِطْلَاقِ بَعْدَ تَكْرِيرِ الْقَيْدِ مَعَ أَخَوَيْهِ ظَاهِرٌ فِي إرَادَةِ انْفِرَادِهِ عَنْهُمَا بِمَعْنَى الْإِطْلَاقِ فَلَا يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوَاعِدِ إلَّا إنْ تَحَقَّقَ فِيهِ إجْمَاعٌ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ.

وَالثَّابِتُ فِيهِ الْآنَ قَوْلَانِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. لِأَنَّا نَقُولُ الثَّابِتُ بِالنَّصِّ افْتِرَاضُ الْإِطْعَامِ شَرْطًا لِحِلِّ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا مُطْلَقًا وَقَدْ جَرَيْنَا عَلَى مُوجِبِ ذَلِكَ، وَنَحْنُ لَمْ نُقَيِّدْ اشْتِرَاطَهُ لِلْحِلِّ بِكَوْنِهِ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَيَكُونُ زِيَادَةً بَلْ أَوْجَبْنَا ذَلِكَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْإِلْحَاقِ بِالْخَصْلَتَيْنِ فِي وُجُوبِ التَّقْدِيمِ لَا فِي اشْتِرَاطِهِ لِلْحِلِّ، وَالْأَصْلُ وَإِنْ كَانَ الِافْتِرَاضُ فَالْمُتَعَدَّى إلَى الْفَرْعِ مِنْهُ الْوُجُوبُ. لَا يُقَالُ حِينَئِذٍ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ لِأَنَّا نَقُولُ: الْوَصْفُ الَّذِي زَادَ بِهِ الْفَرْضُ عَلَى الْوُجُوبِ لَيْسَ مِنْ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْإِيجَابُ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ ثُبُوتُهُ قَطْعِيًّا سُمِّيَ فَرْضًا، وَلَيْسَ كَيْفِيَّةُ الثُّبُوتِ جُزْءَ مَاهِيَّةِ الْحُكْمِ بَلْ جُزْءَ مَفْهُومِ لَفْظِ الْفَرْضِ تَأَمَّلْ، وَعَمَّا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ لِلْحِلِّ وَاعْتِبَارِ الْإِطْلَاقِ فِي ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَرُبَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فِي خِلَالِ الصَّوْمِ يَسْتَأْنِفُ، وَلَوْ قَرُبَهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ لَا يَسْتَأْنِفُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَيَّدَ الصِّيَامَ بِكَوْنِهِ قَبْلَ التَّمَاسِّ وَأَطْلَقَ فِي الْإِطْعَامِ، وَلَا يُحْمَلُ الْإِطْعَامُ عَلَى الصِّيَامِ لِأَنَّهُمَا حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ وَإِنْ اتَّحَدَتْ الْحَادِثَةُ.

(قَوْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) مُتَّصِلٌ بِالْمَرْقُوقَةِ فَلِذَا لَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرَهُ لَا يَجْزِيه عَنْهَا، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا وَعَنْ ذَلِكَ يَصِحُّ إعْتَاقُ الرَّضِيعِ لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ الْكَفَّارَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى) الْمَشْهُورُ بِنَاءُ الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَوْ لَا؟ فَعِنْدَهُ نَعَمْ وَعِنْدَنَا لَا، إلَّا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ ذَلِكَ لُزُومًا عَقْلِيًّا، إذْ الشَّيْءُ لَا يَكُونُ نَفْسَهُ مَطْلُوبًا إدْخَالُهُ فِي الْوُجُودِ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا كَالصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَرَدَ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا بِالتَّتَابُعِ فِي الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِمِثْلِهَا وَلِلْكَلَامِ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْأَصْلِ فَمِنْ غَيْرِ هَذَا، وَلَوْ تَنَزَّلْنَا إلَى أَصْلِهَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ التَّصْدِيقِ فِي كَفَّارَةِ الْأَمْرِ الْأَعْظَمِ وَهُوَ الْقَتْلُ ثُبُوتُ مِثْلِهِ فِيمَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ لِيَكُونَ التَّقْيِيدُ فِيهِ بَيَانًا فِي الْمُطْلَقِ. وَتَقْرِيرُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَهِيَ الْإِعْتَاقُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى عَدُوِّ اللَّهِ، إذْ الْإِعْتَاقُ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَيَتَحَقَّقُ أَثَرُهُ لَهُ وَهُوَ الْعِتْقُ كَالزَّكَاةِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَا يُعَارِضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>