(وَلَا تُجْزِئُ الْعَمْيَاءُ وَلَا الْمَقْطُوعَةُ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ) لِأَنَّ الْفَائِتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ الْبَصَرُ أَوْ الْبَطْشُ أَوْ الْمَشْيُ وَهُوَ الْمَانِعُ، أَمَّا إذَا اخْتَلَّتْ الْمَنْفَعَةُ فَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ، حَتَّى يُجَوِّزَ الْعَوْرَاءَ وَمَقْطُوعَةَ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَا فَاتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ بَلْ اخْتَلَّتْ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتَا مَقْطُوعَتَيْنِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِفَوَاتِ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ إذْ هُوَ عَلَيْهِ مُتَعَذِّرٌ، وَيَجُوزُ الْأَصَمُّ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ، لِأَنَّ الْفَائِتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ، إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا الْجَوَازَ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَنْفَعَةِ بَاقٍ، فَإِنَّهُ إذَا صِيحَ عَلَيْهِ سَمِعَ حَتَّى لَوْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَسْمَعُ أَصْلًا بِأَنْ وُلِدَ أَصَمَّ وَهُوَ الْأَخْرَسُ لَا يَجْزِيه (وَلَا يَجُوزُ مَقْطُوعُ إبْهَامَيْ الْيَدَيْنِ) لِأَنَّ قُوَّةَ الْبَطْشِ بِهِمَا فَبِفَوَاتِهِمَا يَفُوتُ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ (وَلَا يَجُوزُ الْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ) لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعَقْلِ
إطْلَاقَ النَّصِّ إلَّا إذَا كَانَ مَانِعًا عَقْلِيًّا مِنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِحْسَانِ وَالتَّمْلِيكِ تَصَدُّقًا عَلَى الْكَافِرِ بِالْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، قَالَ ﷺ «تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ» وَالِاتِّفَاقُ عَلَى جَوَازِ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَلَوْلَا أَنَّ مَقْصُودَ الْقُرْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَحْصُلُ بِذَلِكَ لَمْ تُشَرَّعْ أَصْلًا، وَلَا يَزِيدُ الْفَرْضُ عَلَى كَوْنِهِ قُرْبَةً إلَيْهِ تَعَالَى إلَّا بِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ، وَلَا يَظْهَرُ لِوَصْفِ الْمَأْمُورِيَّةِ أَثَرٌ فِي مُنَافَاةِ كَوْنِ مَحَلِّهِ كَافِرًا بَعْدَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُنَافِي مَعْنَى الْقُرْبَةِ، وَلَوْلَا النَّصُّ الَّذِي يَخُصُّ الزَّكَاةَ لَقُلْنَا بِجَوَازِ دَفْعِهَا لِفُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّقَرُّبَ بِفِعْلِ الْفَاعِلِ يَحْصُلُ لَا بِخُصُوصِ مَحَلِّ فِعْلِهِ، وَهُوَ إنَّمَا يُعْتِقُهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ بِالْإِسْلَامِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنْ تَخْلِيصِهِ مِنْ رَقَبَةِ الرِّقِّ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ افْتِرَاقُهُ هُوَ الْكُفْرُ لِسُوءِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَظَهَرَ ثُبُوتُ مَعْنَى التَّقَرُّبِ بِإِعْتَاقِهِ. هَذَا وَيَدْخُلُ فِي الْكَافِرَةِ الْمُرْتَدُّ وَالْمُرْتَدَّةُ، وَلَا خِلَافَ فِي إعْتَاقِ الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ، وَإِعْتَاقُ الْعَبْدِ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجْزِيه عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَإِعْتَاقُ الْمُسْتَأْمَنِ يَجْزِيه.
(قَوْلُهُ وَلَا تُجْزِئُ الْعَمْيَاءُ إلَخْ) الْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَقُ كَامِلَ الرِّقِّ مَقْرُونًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute