فَكَانَ فَائِتَ الْمَنَافِعِ (وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يَجْزِيه) لِأَنَّ الِاخْتِلَالَ غَيْرُ مَانِعٍ، وَلَا يُجْزِئُ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةٍ فَكَانَ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصًا، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى بَعْضَ الْمَالِ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ يَكُونُ بِبَدَلٍ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجْزِيه لِقِيَامِ الرِّقِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِهَذَا تَقْبَلُ الْكِتَابَةُ الِانْفِسَاخَ، بِخِلَافِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالتَّدْبِيرِ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ الِانْفِسَاخَ، فَإِنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبًا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا جَازَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. لَهُ أَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ فَأَشْبَهَ الْمُدَبَّرَ. وَلَنَا أَنَّ الرِّقَّ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلِقَوْلِهِ ﵊ " الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ
بِالنِّيَّةِ، وَجِنْسُ مَا يَبْتَغِي مِنْ الْمَنَافِعِ بِلَا بَدَلٍ، فَظَهَرَ أَنَّ اخْتِلَالَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لَا يَضُرُّ وَلَا ثُبُوتُ الْعَيْبِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِفَوَاتِ الْجِنْسِ الْمَنْفَعَةَ تَصِيرُ الرَّقَبَةُ فَائِتَةً مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ نُقْصَانِهَا، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فَوَاتَ الزِّينَةِ عَلَى الْكَمَالِ مَعَ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوهُ فِي الدِّيَاتِ فَأُلْزِمُوا بِقَطْعِ الْأُذُنَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ تَمَامَ الدِّيَةِ، وَجَوَّزُوا هُنَا عِتْقَ مَقْطُوعِهِمَا إذَا كَانَ السَّمْعُ بَاقِيًا، وَمِثْلُهُ فِيمَنْ حُلِقَتْ لِحْيَتُهُ فَلَمْ تَنْبُتْ لِفَسَادِ الْمَنْبَتِ، وَمَا عَلَّلُوا بِهِ فِي جَعْلِ الْعِنِّينِ وَالْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ مِنْ الْفَائِتِ مَنْفَعَةَ النَّسْلِ وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا يُطْلَبُ مِنْ الْمَمَالِيكِ يُعَلَّلُ بِهِ فِي فَوَاتِ الزِّينَةِ عَلَى الْكَمَالِ، لِأَنَّ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ لَا يَصِيرُ الْمَرْقُوقُ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ بَلْ الْحُرُّ، فَعَنْ هَذَا افْتَرَقَ الْحَالُ بَيْنَ الْإِعْتَاقِ وَالدِّيَةِ فِيهِ، وَتَجُوزُ الرَّتْقَاءُ وَالْقَرْنَاءُ وَالْعَوْرَاءُ وَالْعَمْشَاءُ وَالْغَشْوَاءُ وَالْبَرْصَاءُ وَالرَّمْدَاءُ وَالْخُنْثَى، لَا مَقْطُوعُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ إحْدَى كُلٍّ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَجُوزُ مِنْ خِلَافٍ.
أَمَّا مَقْطُوعُ إبْهَامَيْ الْيَدَيْنِ فَلِمَا فِي الْكِتَابِ، وَمِثْلُهُ مَقْطُوعُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ غَيْرَ الْإِبْهَامَيْنِ مِنْ كُلِّ يَدٍ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ كَالْكُلِّ وَيَجُوزُ مَقْطُوعُ إصْبَعَيْنِ غَيْرَ الْإِبْهَامِ مِنْ كُلِّ يَدٍ لَا سَاقِطُ الْأَسْنَانِ الْعَاجِزُ عَنْ الْأَكْلِ، وَلَا يَجُوزُ الْمَجْنُونُ الْمُطْبَقُ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ كُلَّهَا فِي حَقِّهِ فَائِتَةٌ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا إنَّمَا هُوَ بِالْعَقْلِ وَأَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَيَجْزِي عِتْقُهُ أَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ إذَا أَعْتَقَهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَفِي الْأَصَمِّ رِوَايَتَانِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَمَحْمَلُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ: الْأَصَمُّ الَّذِي وُلِدَ أَصَمَّ وَهُوَ الْأَخْرَسُ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ أَصْلًا وَلَا يَتَكَلَّمُ، وَمَحْمَلُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الَّذِي إذَا صِيحَ عَلَيْهِ يَسْمَعُ.
وَرَوَى إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ قُضِيَ بِدَمِهِ عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ عَفَى عَنْهُ لَمْ يَجُزْ.
وَفِي التَّجْنِيسِ: مِنْ عَلَامَةِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مَرِيضًا عَنْ ظِهَارِهِ إنْ كَانَ يُرْجَى وَيُخَافُ عَلَيْهِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ مَعْنَى هَذَا وَقَدْ مَنَعَ فَوَاتَ لُزُومِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بِقَطْعِ الْإِبْهَامَيْنِ بَلْ اللَّازِمُ اخْتِلَالُهَا وَلَوْ لَزِمَ ذَلِكَ لَوَجَبَ بِقَطْعِهِمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ، لَكِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَعْتَبِرْهُمَا إلَّا كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَصَابِعِ، وَأَيْضًا رَتَّبَ عَلَى الدَّلِيلِ نَتِيجَةً لَا يَسْتَلْزِمُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ فَوَاتَ قُوَّةِ الْبَطْشِ لَيْسَتْ لَازِمَةً وَلَا عَنْهُ فَوَاتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ ضَعْفُهَا (وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ) وَيَجُوزُ إعْتَاقُ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا لَا الَّذِي أَدَّى بَعْضَ الْكِتَابَةِ وَالشَّافِعِيُّ مَنَعَهُ، وَأَلْحَقَ الْمُكَاتَبَ بِالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ بِجَامِعِ أَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ فَأَشْبَهَ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ فَنَقَصَ الرِّقُّ فِيهِ كَمَا نَقَصَ فِيهِمَا بَلْ هُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ فِي حُرٍّ عَتَقَ مُدَبَّرَهُ وَأُمَّ وَلَدِهِ، وَلَا يَعْتِقُ مُكَاتَبَهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَدَلَّ أَنَّهُ أَنْقَصُ رِقًّا مِنْهُمَا وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُكُمْ الْكِتَابَةُ إنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute