للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دِرْهَمٌ " وَالْكِتَابَةُ لَا تُنَافِيه فَإِنَّهُ فَكُّ الْحَجْرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ إلَّا أَنَّهُ بِعِوَضٍ فَيَلْزَمُ مِنْ جَانِبِهِ، وَلَوْ كَانَ مَانِعًا يَنْفَسِخُ مُقْتَضَى الْإِعْتَاقِ إذْ هُوَ يَحْتَمِلُهُ، إلَّا أَنَّهُ تَسْلَمُ لَهُ الْأَكْسَابُ وَالْأَوْلَادُ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ

اقْتَضَتْ فَكَّ الْحَجْرِ لَا غَيْرَ كَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَاسْتَبَدَّ الْمَوْلَى بِفَسْخِهَا كَالْمَنْعِ مِنْ التِّجَارَةِ.

وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ لَنَا فِي الْمُدَبَّرِ، فَإِنَّ عِنْدَهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ وَإِعْتَاقُهُ جَائِزٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَنَا، وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ عَلَى وَجْهِ الْإِثْبَاتِ لِنَفْسِهِ، وَنَحْنُ نَمْنَعُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْق بِجِهَةٍ تَقْبَلُ الْفَسْخَ عَلَى تَقْدِيرِ تَحَقُّقِهَا يُوجِبُ نُقْصَانَ الرِّقِّ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَهُوَ الْحَاصِلُ هُنَا، فَإِنَّ حَاصِلَ الْكِتَابَةِ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ، وَلَوْ عُلِّقَ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ لَمْ يَلْزَمْ نُقْصَانُ الرِّقِّ فَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ سَائِرَ التَّعْلِيقَاتِ لَا تَحْتَمِلُ الِانْفِسَاخَ بِخِلَافِ هَذَا، وَلَوْلَا ثُبُوتُ النَّصِّ الْمُفِيدِ لِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لَمْ يَتَبَيَّنْ نُقْصَانُ الرِّقِّ فِيهِمَا لِأَنَّ الْحَاصِلَ فِيهِمَا أَيْضًا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ.

وَلَوْ تَمَكَّنَ نُقْصَانٌ فِي رِقِّهِ لَمَا تُصَوِّرَ فَسْخُهُ وَإِعَادَتُهُ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى، لِأَنَّ نُقْصَانَ الرِّقِّ بِثُبُوتِ الْعِتْقِ بِقَدْرِهِ وَثُبُوتِهِ مِنْ وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ الزَّوَالَ كَثُبُوتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهَذَا مَا يُقَالُ حَقُّ الْعِتْقِ كَحَقِيقَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الثَّابِتُ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي حَقِّهِمَا بِجِهَةٍ لَازِمَةٍ، فَظَهَرَ أَنَّ الْكِتَابَةَ إنَّمَا أَوْجَبَتْ فَكَّ الْحَجْرِ فِي الْمَكَاسِبِ، وَذَا لَا يُمْكِنُ نُقْصَانًا فِي الرِّقِّ إذْ الْمَكَاسِبُ غَيْرُ الرَّقَبَةِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

الْمُرَادُ بِهِ كَامِلٌ فِي الْعُبُودِيَّةِ وَالرِّقِّ، وَإِنَّمَا يَسْتَبِدُّ الْمَوْلَى بِفَسْخِهِ لِأَنَّهُ بِبَدَلٍ فَانْعَقَدَ لَازِمًا عَلَى الْمَوْلَى، بِخِلَافِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ فُكَّ بِلَا بَدَلٍ وَعَدَمُ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ لَهُ حُرٌّ لِنُقْصَانِ الْمِلْكِ فِيهِ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، لَكِنَّ نُقْصَانَ الْمِلْكِ لَا يَسْتَلْزِمُ نُقْصَانَ الرِّقِّ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمِلْكِ أَعَمُّ مِنْ مَحَلِّ الرِّقِّ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِيمَا لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ الرِّقِّ فِيهِ كَالْأَمْتِعَةِ، وَالْحَيَوَانِ غَيْرَ الْآدَمِيِّ، فَفِي الْعَبْدِ رِقٌّ فِي رَقَبَتِهِ وَمِلْكٌ يُحَاذِيه فِيهَا وَيَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا مِنْ مَنَافِعِهِ وَأَكْسَابِهِ وَالْكِتَابَةُ أَوْجَبَتْ الْفَكَّ فِي حَقِّ مَا يَزِيدُ عَلَى الرَّقَبَةِ وَهُوَ مَحَلُّ الْمِلْكِ لَا الرِّقِّ فَنَقَصَ بِهَا الْمِلْكُ لَا الرِّقُّ، وَلَكِنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الرِّقَّ لِأَنَّهُ لَوْ دَارَ مَعَ الْمِلْكِ ثَبَتَ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ أَيْضًا فَكَانَ حِينَئِذٍ كَشَرْعِ السَّائِبَةِ وَلَا مُوجِبَ لِنُقْصَانِهِ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُزَحْزِحِ.

(قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يُسَلِّمَ لَهُ الْأَكْسَابَ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ عِتْقُهُ حَيْثُ وَقَعَ إنَّمَا يَقَعُ شَرْعًا بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ عَيَّنَ السَّيِّدُ جِهَةَ التَّكْفِيرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ لَهُ الْأَكْسَابَ وَالْأَوْلَادَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ أَجَابَ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلِ أَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمُكَاتَبِ وَاحِدٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>