(وَإِنْ ظَاهَرَ الْعَبْدُ لَمْ يَجُزْ فِي الْكَفَّارَةِ إلَّا الصَّوْمُ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ (وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ لَمْ يَجْزِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يَصِيرُ مَالِكًا بِتَمْلِيكِهِ.
(وَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْمُظَاهِرُ الصِّيَامَ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ (وَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ ﵊ فِي حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَسَهْلِ بْنِ صَخْرٍ:
حَاضَتْ فِي خِلَالِ صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَإِنَّهَا تَسْتَقْبِلُ لِأَنَّهَا تَجِدُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا حَيْضَ فِيهَا
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يَصِيرُ مَالِكًا بِتَمْلِيكِهِ) أَوْقَعَهُ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ وَإِنْ أَطْعَمَ الْمَوْلَى عَنْهُ أَوْ أَعْتَقَ، فَأَفَادَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَلَكَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعْتِقَ أَوْ يُطْعِمَ لِيَكُونَ هُوَ الْمُكَفِّرُ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِيَارِ فِي أَدَاءِ مَا كُلِّفَ بِهِ، أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَبْدَ أَمَرَهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَهُ ثُمَّ إعْتَاقُهُ عَنْهُ وَإِطْعَامُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَمْنَعَ عَبْدَهُ مِنْ صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ إلَّا كَفَّارَةَ الظِّهَارِ لِأَنَّهَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الزَّوْجَةِ
(قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الصِّيَامَ) أَيْ لِمَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ أَوْ كِبَرٍ (قَوْلُهُ أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ، فَلَوْ دَفَعَ مَنْصُوصًا عَنْ مَنْصُوصٍ آخَرَ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْمَدْفُوعُ الْكَمِّيَّةَ الْمُقَدَّرَةَ مِنْهُ شَرْعًا. مِثَالُهُ دَفَعَ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ الْبُرِّ أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ عَنْ صَاعِ تَمْرٍ وَقِيمَتُهُ تَبْلُغُهُ لَمْ يَجُزْ، فَلَوْ كَانَ التَّمْرُ صَاعًا دَفَعَهُ عَنْ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ جَازَ. وَهَذَا لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَاهُ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ فِي الِاعْتِبَارِ لَزِمَ إبْطَالُ التَّقْدِيرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ صِنْفٍ وَهُوَ بَاطِلٌ، ثُمَّ إذَا فَعَلَهُ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لِلَّذِينَ أَعْطَاهُمْ الْقَدْرَ الْمُقَدَّرَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ الَّذِي دَفَعَهُ لَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ اسْتَأْنَفَ فِي غَيْرِهِمْ.
لَا يُقَالُ: لَوْ كَسَا عَشْرَةَ مَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ثَوْبًا وَاحِدًا عَنْ الْإِطْعَامِ جَازَ عَنْهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمْ قَدْرَ قِيمَةِ الْإِطْعَامِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ.
قُلْنَا: الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ الْكِسْوَةُ لَا الثَّوْبُ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالثَّوْبِ، فَلَمَّا لَمْ يُصِبْ كَلَا ثَوْبٍ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا لِهَذِهِ الْخَصْلَةِ الْمَنْصُوصَةِ: أَعْنِي الْكِسْوَةَ أَصْلًا لَا أَنَّهُ فَاعِلٌ لَهَا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ عَنْ مَنْصُوصٍ آخَرَ، إذْ لَا كِسْوَةَ إلَّا بِثَوْبٍ يَصِيرُ بِهِ مُكْتَسِيًا فَيَكُونُ فَاعِلًا غَيْرَ الْمَنْصُوصِ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ عَنْ الْمَنْصُوصِ (قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَسَهْلِ بْنِ صَخْرٍ) وَصَوَابُهُ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ، وَالْحَدِيثُ غَرِيبٌ عَنْهُمَا.
وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ: «فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا ثَلَاثِينَ صَاعًا، قَالَ: لَا أَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُعِينَنِي، فَأَعَانَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِخَمْسَةَ عَشَرَ