للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هِيَ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِأَنَّهُ قَائِمٌ فِي حَقِّهِ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فَلَا بُدَّ مِنْ إحْصَانِهَا، وَيَجِبُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَى وَلَدَهَا صَارَ قَاذِفًا لَهَا ظَاهِرًا وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِ بِالْوَطْءِ مِنْ شُبْهَةٍ، كَمَا إذَا نَفَى أَجْنَبِيٌّ نَسَبَهُ عَنْ أَبِيهِ الْمَعْرُوفِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّسَبِ الْفِرَاشُ الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ مُلْحَقٌ بِهِ. فَنَفْيُهُ عَنْ الْفِرَاشِ الصَّحِيحِ قَذْفٌ حَتَّى يَظْهَرَ الْمُلْحَقُ بِهِ

أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ زَوْجَةٍ عَلَى حِدَةٍ لَا مُطْلَقًا: أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ بِكَلِمَةٍ أَوْ بِكَلِمَاتٍ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ لَهُ بِالزِّنَا لَا يَجْزِيه لِعَانٌ وَاحِدٌ لَهُنَّ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُلَاعِنَ كُلًّا مِنْهُنَّ عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ كُنَّ أَجْنَبِيَّاتٍ فَقَذَفَهُنَّ حُدَّ وَاحِدًا لَهُنَّ.

وَسَبَبُ هَذَا الِافْتِرَاقِ أَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ الْوَاحِدِ لِلْكُلِّ وَهُوَ دَفْعُ الْعَارِ عَنْهُنَّ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي اللِّعَانِ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَيَتَعَذَّرُ اجْتِمَاعُ الْكُلِّ فِي كَلِمَةٍ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ) هُوَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ وَلَدَهُ مِنْهَا أَوْ وَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَيَجِبُ إرَادَةُ هَذَا الْإِطْلَاقِ.

فَقَوْلُهُ فِي الْغَايَةِ أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا الْمَوْلُودِ عَلَى فِرَاشِهِ لَا يُفِيدُ، لِأَنَّهُ لَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ عَنْ أَبِيهِ الْمَعْرُوفِ يَكُونُ قَذْفًا لَهَا كَمَا لَوْ نَفَاهُ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ فَيَكُونُ مُوجِبُهُ اللِّعَانَ لِمَا تَلَوْنَا كَذَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ (قَوْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ إنَّ النَّفْيَ لَيْسَ بِقَذْفٍ لَهَا بِالزِّنَا يَقِينًا لِجَوَازِ كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِهِ بِوَطْءٍ بِشُبْهَةٍ لَا زِنًا.

أَجَابَ بِأَنَّهُ احْتِمَالٌ لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّ النَّسَبَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَثْبُتُ مِنْ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ لَكِنَّ الْوَاقِعَ انْتِفَاءُ ثُبُوتِهِ إلَّا مِنْ هَذَا الْفِرَاشِ الْقَائِمِ. فَإِذَا نَفَاهُ عَنْهُ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِهِ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ نَفْيًا لِثُبُوتِ نَسَبِهِ مُطْلَقًا وَيَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ عَنْ زِنًا فَكَانَ قَذْفًا مَا لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ، وَإِنَّمَا بَقِيَ فِيهِ احْتِمَالُ كَوْنِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَنْ غَيْرِ زِنًا وَلَا عِبْرَةَ بِهِ.

فَإِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ فِيمَا إذَا صَرَّحَ بِنِسْبَةِ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا بِهِ، ثُمَّ شَبَّهَهُ بِمَا إذَا نَفَى أَجْنَبِيٌّ نَسَبَهُ عَنْ أَبِيهِ الْمَعْرُوفِ: يَعْنِي فَإِنَّهُ يَكُونُ قَذْفًا مُوجِبًا لِلْحَدِّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ قَائِمًا فِيهِ وَهَذَا مُصَرَّحٌ، بِخِلَافِ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ إذَا نَفَى الْوَلَدَ فَقَالَ لَيْسَ بِابْنِي وَلَمْ يَقْذِفْهَا بِالزِّنَا لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّفْيَ لَيْسَ بِقَذْفٍ لَهَا بِالزِّنَا يَقِينًا لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ.

وَفِي النِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ جَعَلَا هَذَا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ الَّذِي وَلَدْتِيهِ مِنْ زَوْجِك لَا يَصِيرُ قَاذِفًا مَا لَمْ يَقُلْ إنَّهُ مِنْ الزِّنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>