للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

﴿فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ﴾ نَصٌّ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ فَقُلْنَا الرُّكْنُ هُوَ الشَّهَادَةُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ قَرَنَ الرُّكْنَ فِي جَانِبِهِ بِاللَّعْنِ لَوْ كَانَ كَاذِبًا وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ وَفِي جَانِبِهَا بِالْغَضَبِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا،

لَهُمْ حَالِفُونَ إلَّا أَنْفُسُهُمْ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ مَنْ يَحْلِفُ لَهُمْ يَحْلِفُونَ هُمْ لِأَنْفُسِهِمْ، وَهَذَا فَرْعُ تَصَوُّرِ حَلْفِ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ لَا وُجُودَ لَهُ أَصْلًا، فَلَوْ كَانَ مَعْنَى الْيَمِينِ حَقِيقِيًّا لِلَّفْظِ الشَّهَادَةِ كَانَ هَذَا صَارِفًا عَنْهُ إلَى مَجَازِهِ فَكَيْفَ وَهُوَ مَجَازِيٌّ لَهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا كَانَ إمْكَانُ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ مُوجِبًا لِعَدَمِ الْحَمْلِ عَلَى الْيَمِينِ فَكَيْفَ وَهَذَا صَارِفٌ عَنْ الْمَجَازِ وَمَا تُوُهِّمَ صَارِفًا مِمَّا ذُكِرَ غَيْرُ لَازِمٍ قَوْلُهُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ لِنَفْسِهِ، وَتَكَرُّرُ الْأَدَاءِ لَا عَهْدَ بِهِمَا.

قُلْنَا: وَكُلٌّ مِنْ الْحَلِفِ لِغَيْرِهِ وَالْحَلِفُ لِإِيجَابِ الْحُكْمِ لَا عَهْدَ بِهِ، بَلْ الْيَمِينُ لِدَفْعِ الْحُكْمِ، فَإِنْ جَازَ لِمَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْحُكْمِ كَيْفَمَا أَرَادَ شَرْعِيَّةَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فِي مَحِلٍّ بِعَيْنِهِ ابْتِدَاءً جَازَ لَهُ أَيْضًا شَرْعِيَّةُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، ثُمَّ هُمَا أَقْرَبُ فِي الْقَوْلِ لِعَقْلِيَّةِ كَوْنِ التَّعَدُّدِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَرْبَعًا بَدَلًا عَمَّا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ إقَامَةِ شُهُودِ الزِّنَا وَهُمْ أَرْبَعٌ وَعَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِنَفْسِهِ عِنْدَ التُّهْمَةِ وَلِذَا يَثْبُتُ عِنْدَ عَدَمِهَا أَعْظَمُ ثُبُوتٍ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ﴾ فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يُشَرَّعَ عِنْدَ ضَعْفِهَا بِوَاسِطَةِ تَأْكِيدِهَا بِالْيَمِينِ وَإِلْزَامِ اللَّعْنَةِ وَالْغَضَبِ إنْ كَانَ كَاذِبًا مَعَ عَدَمِ تَرَتُّبِ مُوجِبِهَا فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ، إذْ مُوجِبُ شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى الْآخَرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِثَابِتٍ هُنَا، بَلْ الثَّابِتُ عِنْدَهُمَا مَا هُوَ الثَّابِتُ بِالْأَيْمَانِ وَهُوَ انْدِفَاعُ مُوجِبِ دَعْوَى كُلٍّ عَنْ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا عِنْدَهُمَا وَلَمْ نَقُلْ بِهِمَا لِأَنَّ هَذَا الِانْدِفَاعَ لَيْسَ مُوجِبَ الشَّهَادَتَيْنِ بَلْ هُوَ مُوجِبُ تَعَارُضِهِمَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ الْيَمِينُ لِلنَّفْيِ إلَى آخِرِهِ فَمَحِلُّهُ مَا إذَا وَقَعَتْ فِي إنْكَارِ دَعْوَى مُدَّعٍ وَإِلَّا فَقَدْ يَحْلِفُ عَلَى إخْبَارٍ بِأَمْرِ نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّهَا عَلَى صِدْقِهِ فِي الشَّهَادَةِ، وَالْحَقُّ أَنَّهَا عَلَى مَا وَقَعَتْ الشَّهَادَةُ بِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ كَمَا إذَا جَمَعَ أَيْمَانًا عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ يُخْبِرُ بِهِ فَإِنَّ هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ كَوْنِهَا مُؤَكِّدَةً لِلشَّهَادَةِ، إذْ لَوْ اخْتَلَفَ مُتَعَلِّقُهُمَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مُؤَكِّدًا لِلْآخَرِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَعَدَمِهَا (قَوْلُهُ قَائِمَةً مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>