(وَلَوْ كَانَ الْقَذْفُ بِوَلَدٍ نَفَى الْقَاضِي نَسَبَهُ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ) وَصُورَةُ اللِّعَانِ أَنْ يَأْمُرَ الْحَاكِمُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُك بِهِ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ، وَكَذَا فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ (وَلَوْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا وَنَفَى الْوَلَدَ ذَكَرَ فِي اللِّعَانِ الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ يَنْفِي الْقَاضِي نَسَبَ الْوَلَدِ وَيُلْحِقُهُ بِأُمِّهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ نَفَى وَلَدَ امْرَأَةِ
وَابْنِ مَسْعُودٍ: «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا».
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَجْتَمِعَانِ مَا دَامَا مُتَلَاعِنَيْنِ، وَلَمْ يَبْقَ التَّلَاعُنُ وَلَا حُكْمُهُ: يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِعَدَمِ الِاجْتِمَاعِ بِشَرْطِ وَصْفِيَّةِ الْمَوْضُوعِ فَهِيَ الْقَضِيَّةُ الْمُسَمَّاةُ بِالْمَشْرُوطَةِ، وَلَمْ يَبْقَيَا بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ مِنْ اللِّعَانِ مُتَلَاعِنَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ اللِّعَانُ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا بِالْإِكْذَابِ لِنَفْسِهِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ إنْ كَانَ الْقَذْفُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ وَلُزُومِ الْحَدِّ.
وَحُكْمُهُ عَدَمُهُ فَقَدْ انْتَفَتْ اللَّوَازِمُ الشَّرْعِيَّةُ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ مَلْزُومِهَا شَرْعًا فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ عَدَمُ حِلِّ الِاجْتِمَاعِ فَثَبَتَ نَقِيضُهُ وَهُوَ حِلُّ الِاجْتِمَاعِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مَنْ بَيْنَهُمَا تَلَاعُنٌ قَائِمٌ حُكْمًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ إرَادَتَهُمَا بِاعْتِبَارِ قِيَامِ التَّلَاعُنِ حَقِيقَةً مُتَعَذِّرٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَثْبُتُ قِيَامُ التَّلَاعُنِ حُكْمًا بِتَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ مَنْ وُجِدَ بَيْنَهُمَا تَلَاعُنٌ فِي الْخَارِجِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَجْتَمِعَانِ بَعْدَ الْإِكْذَابِ إذْ ارْتِفَاعُ حُكْمِهِ وَقَطْعِ اعْتِبَارِهِ قَائِمًا شَرْعًا عِنْدَ الْإِكْذَابِ لَا يُوجِبُ ارْتِفَاعَ كَوْنِهِ قَدْ تَحَقَّقَ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِج، وَلَكِنْ بَقِيَ النَّظَرُ فِي أَيِّ الِاحْتِمَالَيْنِ أَرْجَحُ، وَأَظُنُّ أَنَّ الثَّانِي أَسْرَعُ إلَى الْفَهْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مَا اُسْتُدِلَّ بِهِ مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ لُزُومُ الْعَدَاوَةِ وَالضَّغِينَةِ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ حُصُولُ الِانْتِظَامِ فَقَدَّمْنَا مَنْعَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ سَبَبُ تَأَبُّدِ الْحُرْمَةِ كَوْنُ أَحَدِهِمَا صَارَ مَلْعُونًا أَوْ مَغْضُوبًا عَلَيْهِ فَمَا أَبْعَدَهُ عَنْ الْفِقْهُ، إذْ لَا شَكَّ فِي بَقَاءِ إسْلَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ صَنَعَ كَبِيرَةً تَصِحُّ مِنْهَا التَّوْبَةُ بِفَضْلِ ذِي الْفَضْلِ ﷻ، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يَمْنَعُ التَّنَاكُحَ
(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْقَذْفُ بِوَلَدٍ نَفَى الْقَاضِي نَسَبَهُ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ) شَرْطُ هَذَا الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي حَالٍ يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِيهِ اللِّعَانُ؛ حَتَّى لَوْ عَلِقَ وَهِيَ كَافِرَةٌ أَوْ أَمَةٌ ثُمَّ عَتَقَتْ وَأَسْلَمَتْ فَنَفْيُ نَسَبِ وَلَدِهَا لَا يَنْتَفِي وَلَا تَلَاعُنَ لِأَنَّ انْتِفَاءَهُ إنَّمَا يَثْبُتُ شَرْعًا حُكْمًا لِلِّعَانِ وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّ نَسَبَهُ كَانَ ثَابِتًا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ فَلَا يَنْقَطِعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يُشْرَعُ اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ وَمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَجْبُوبَ يُنْزِلُ بِالسَّحْقِ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، وَلَا لِعَانَ فِي الْقَذْفِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَجِبُ اللِّعَانُ بِهِ، وَكَذَا فِي نَفْيِهِ مِنْ وَطِئَ بِشُبْهَةِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيهِمَا الْحَدُّ وَاللِّعَانُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمَا بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ: قَذَفَهَا بِنَفْيِ وَلَدِهَا فَلَمْ يَلْتَعِنَا حَتَّى قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ بِهِ فَحَدُّ الْأَجْنَبِيِّ يُثْبِتُ نَسَبَ الْوَلَدِ مِنْ الزَّوْجِ وَلَا يَنْتَفِي بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا حُدَّ قَاذِفُهَا حُكِمَ بِكَذِبِهِ (قَوْلُهُ وَصُورَةُ اللِّعَانِ) أَيْ فِي الْقَذْفِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «ﷺ نَفَى نَسَبَ وَلَدِ امْرَأَةِ هِلَالٍ»)