(وَهُوَ خَاطِبٌ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ) عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ لِقَوْلِهِ ﵊ «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» نَصَّ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِكْذَابَ رُجُوعٌ وَالشَّهَادَةُ بَعْدَ الرُّجُوعِ لَا حُكْمَ لَهَا، لَا يَجْتَمِعَانِ مَا دَامَا مُتَلَاعِنَيْنِ، وَلَمْ يَبْقَ التَّلَاعُنُ وَلَا حُكْمُهُ بَعْدَ الْإِكْذَابِ فَيَجْتَمِعَانِ
- ﷺ الطَّلَاقَ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِمَفْهَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ مِنْهُ ﷺ (قَوْلُهُ وَهُوَ خَاطِبٌ إلَخْ) يَعْنِي إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ وَالتَّفْرِيقِ وَحُدَّ أَوْ لَمْ يُحَدَّ صَارَ خَاطِبَا مِنْ الْخِطْبَةِ يَحِلُّ لَهُ تَزَوُّجُهَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ حَلَّتْ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدِ النِّكَاحِ كَذَا فِي الْغَايَةِ.
وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ قَبْلَ اللِّعَانِ نَظَرَ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْلَ الْإِكْذَابِ حُدَّ أَيْضًا، وَإِنْ أَبَانَهَا ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّ اللِّعَانَ أَثَرُهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ، وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ لِأَنَّ قَذْفَهُ وَقَعَ مُوجِبًا لِلِّعَانِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ لِأَنَّ الْقَذْفَ الْوَاحِدَ لَا يُوجِبُ حَدَّيْنِ، بِخِلَافِ إكْذَابِ نَفْسِهِ بَعْدَ اللِّعَانِ لِأَنَّ حَدَّهُ حِينَئِذٍ لِلْقَذْفِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ كَلِمَاتُ اللِّعَانِ لَا الْقَذْفِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أُخِذَ حُكْمُهُ مِنْ اللِّعَانِ، وَلِذَا يُحَدُّ شُهُودُ الزِّنَا إذَا رَجَعُوا لِتَضَمُّنِ شَهَادَتِهِمْ نِسْبَتَهُ إلَى الزِّنَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا اللِّعَانُ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ ثُمَّ بَانَتْ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ حُدَّ، وَكَمَا تَحِلُّ لَهُ بِإِكْذَابِ نَفْسِهِ بَعْدَ اللِّعَانِ كَذَلِكَ تَحِلُّ لَهُ لَوْ قَذَفَتْ شَخْصًا أَجْنَبِيًّا بَعْدَهُ فَحُدَّتْ أَوْ قَذَفَ هُوَ أَجْنَبِيًّا فَحُدَّ أَوْ زَنَتْ أَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا حَتَّى خَرَجَ بِذَلِكَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ لِارْتِفَاعِ السَّبَبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ افْتَرَقَ الْمُتَلَاعِنَانِ، وَهُوَ عَلَى مَا قَالُوا أَنَّهُ كَيْ لَا يَتَكَرَّرُ اللِّعَانُ بِأَنْ يَقْذِفَهَا مَرَّةً أُخْرَى وَهُوَ لَمْ يُشَرَّعْ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إلَّا مَرَّةً فِي الْعُمُرِ أَوْ بِخُلُوِّ الْقَذْفِ عَنْ الْمُوجِبِ فِي الدُّنْيَا، فَبِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْأَهْلِيَّةِ وَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ﵀: إذَا افْتَرَقَ الْمُتَلَاعِنَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، فَيَثْبُتُ بَيْنَهُمَا حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ كَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ. وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَإِذَا كَانَتْ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ لَا تَكُونُ طَلَاقًا بَلْ فَسْخًا، وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ قَبْلَهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الزَّوْجِيَّةِ قَائِمَةً مَعَهَا كَمَا تَكُونُ بِالظِّهَارِ أَوْ زَالَتْ، فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ مِنْ حِينِ تَثْبُتُ تَثْبُتُ مُؤَبَّدَةً لَمْ يُتَصَوَّرْ تَوَقُّفُهَا عَلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي. وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ «الْمُتَلَاعِنَانِ إذَا افْتَرَقَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» وَقَدْ طَعَنَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي ثُبُوتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَمَفْهُومُ شَرْطِهِ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ لِلْمُتَأَمِّلِ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ عَلَى مُقْتَضَى رَأْيِهِ.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مَوْقُوفًا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالَا: «مَضَتْ السُّنَّةُ الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا». وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute