للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَتِلْكَ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ) لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي أُضِيفَ إلَى الزَّوْجِ فَكَأَنَّهُ طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ فَسْخٌ لَكِنَّ النِّكَاحَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا تَقَعُ بَائِنَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهَا لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَائِنَةً تَعُودُ مُعَلَّقَةً بِالْمُرَاجَعَةِ.

(وَلَهَا كَمَالُ مَهْرِهَا إنْ كَانَ خَلَا بِهَا) فَإِنَّ خَلْوَةَ الْعِنِّينِ صَحِيحَةٌ (وَيَجِبُ الْعِدَّةُ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلِ هَذَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا (وَلَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ فِي الْوُصُولِ إلَيْهَا

ثُبُوتِهِ مِنْ الْعِنِّينِ فَإِنَّ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ يَثْبُتُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِنِّينٍ فَيَظْهَرُ بُطْلَانُ مَعْنَى الْفُرْقَةِ، بِخِلَافِ إقْرَارِهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ بِالْوَطْءِ لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ بَلْ هِيَ بِهِ مُنَاقِضَةٌ فَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بِالْفُرْقَةِ.

وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَةُ الْعِنِّينِ أَوْ الْمَجْبُوبِ صَغِيرَةً لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بَلْ يَنْتَظِرُ بُلُوغَهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَرْضَى بِهِ إذَا بَلَغَتْ، وَإِذَا رَضِيَتْ قَبْلَ التَّأْجِيلِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا سَقَطَ حَقُّهَا وَلَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ يُجَامِعُ وَلَا يُنْزِلُ لِجَفَافِ مَائِهِ لَمْ يَكُنْ لَهَا طَلَبُ الْفُرْقَةِ (قَوْلُهُ وَتِلْكَ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: فُسِخَ لِأَنَّهَا مِنْ جِهَتِهَا، وَقَاسَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى الْفُرْقَةِ بِالْجَبِّ. قُلْنَا: بَلْ مِنْ جِهَتِهِ فَإِنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ حِينَ عَجَزَ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِذَا امْتَنَعَ كَانَ ظَالِمًا فَنَابَ الْقَاضِي عَنْهُ فِيهِ فَيُضَافُ فِعْلُهُ إلَيْهِ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْجَبِّ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِسَبَبِهِ عِنْدَنَا أَيْضًا طَلَاقٌ.

(قَوْلُهُ لَكِنَّ النِّكَاحَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ عِنْدَنَا) أَيْ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ التَّامَّ النَّافِذَ اللَّازِمَ لِأَنَّهُ النِّكَاحُ الْمُطْلَقُ فَخَرَجَ الْفَاسِدُ وَالْمَوْقُوفُ وَالْفَسْخُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَخِيَارُ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ فَسْخٌ قَبْلَ التَّمَامِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِتْمَامِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ فُرْقَةٌ بَعْدَ التَّمَامِ فَلَا يَقْبَلُهَا كَمَا لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جَعَلَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً وَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ لِلْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ؛ لِأَنَّ خَلْوَةَ الْعِنِّينِ صَحِيحَةٌ، إذْ لَا وُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْعُنَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْوَطْءِ اخْتِيَارًا تَعَنُّتًا فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ وَطْئِهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّهَا رَضِيَتْ حَيْثُ نَكَحَتْهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ؛ وَلَوْ تَزَوَّجَتْ بِهِ أُخْرَى عَالِمَةً بِحَالِهِ فَفِي الْأَصْلِ كَذَلِكَ يَكُونُ رِضًا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقِيلَ: لَا يَكُونُ رِضًا لِجَوَازِ تَأْمِيلِهَا بُرْأَهُ. وَدُفِعَ بِأَنَّهُ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَبْرَأْ فِي أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، فَالظَّاهِرُ لُزُومُهُ وَزَمَانَتُهُ فَتَكُونُ بِالتَّزَوُّجِ بِهِ رَاضِيَةً بِالْعَيْبِ.

(قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهَا إذَا طَالَبَتْهُ بِالْفُرْقَةِ أَجَّلَهُ الْحَاكِمُ سَنَةً ثُمَّ بَعْدَهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا إذَا اعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِعَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهَا فِي هَذَا النِّكَاحِ، وَإِنْ تَصَادَفَا أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهَا فِي نِكَاحٍ قَبْلَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا لِأَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا فِي نِكَاحٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا وَلَمْ يُصَلِّ إلَيْهَا لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْفُرْقَةِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا وَادَّعَى الْوُصُولَ

<<  <  ج: ص:  >  >>