للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا لِأَنَّ التَّفْرِيقَ حَقُّهَا

وَالسَّنَةُ ضُرِبَتْ لِتَعْرِيفِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهَا سَنَةً كَوْنُ ذَلِكَ لِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فِي الْخِلْقَةِ، إذْ الْمَرَضُ قَدْ يَمْتَدُّ سَنَةً، وَأَيْضًا مِمَّا لَهُ حُكْمُ الْعِنِّينِ الْمَسْحُورِ، وَمُقْتَضَى السِّحْرِ مِمَّا قَدْ يَمْتَدُّ السِّنِينَ وَبِمُضِيِّ السَّنَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْآفَةِ الْأَصْلِيَّةِ لِغَرَضِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ.

فَالْحَقُّ أَنَّ التَّفْرِيقَ مَنُوطٌ إمَّا بِغَلَبَةِ ظَنِّ عَدَمِ زَوَالِهِ لِزَمَانَتِهِ أَوْ لِلْأَصْلِيَّةِ، وَمُضِيُّ السَّنَةِ مَعَ عَدَمِ الْوُصُولِ مُوجِبٌ لِذَلِكَ، أَوْ هُوَ عَدَمُ إيفَاءِ حَقِّهَا فَقَطْ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، وَالسَّنَةُ جُعِلَتْ غَايَةً فِي الصَّبْرِ وَإِبْلَاءَ الْعُذْرِ شَرْعًا، حَتَّى لَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بَعْدَ انْقِضَائِهَا قُرْبُ زَوَالِهِ وَقَالَ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ أَجِّلْنِي يَوْمًا لَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهَا، فَلَوْ رَضِيَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ كَانَ لَهَا ذَلِكَ وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ لِأَنَّ السَّنَةَ غَايَةٌ فِي إبْلَاءِ الْعُذْرِ. وَقَالَ لَبِيدٌ لِابْنَتَيْهِ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ:

تَمَنَّى ابْنَتَايَ أَنْ يَعِيشَ أَبُوهُمَا … وَهَلْ أَنَا إلَّا مِنْ رَبِيعَةَ أَوْ مُضَرَ

فَقُومَا وَقُولَا بِاَلَّذِي قَدْ عَلِمْتُمَا … وَلَا تَخْمُشَا وَجْهًا وَلَا تَحْلِقَا الشَّعْرَ

إلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا … وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدْ اعْتَذَرَ

(قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا) هَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً غَيْرَ رَتْقَاءَ، فَإِنْ كَانَتْ رَتْقَاءَ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْفُرْقَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَالطَّلَبُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِسَيِّدِهَا. وَهُوَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْإِذْنِ فِي الْعَزْلِ. وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ مَرَّتْ، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي طَلَبِ الْفُرْقَةِ بِتَأْخِيرِ الْمُرَافَعَةِ قَبْلَ الْأَجَلِ وَلَا بَعْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ بَعْدَ التَّأْجِيلِ مَهْمَا أُخِّرَتْ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ وَتَرَجِّي الْوُصُولِ لَا بِالرِّضَا بِالْمُقَامِ عَلَى ذَلِكَ أَبَدًا فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهَا بِالشَّكِّ، وَلَوْ وَجَدَتْ كَبِيرَةٌ زَوْجَهَا الصَّغِيرَ عِنِّينًا يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ لِأَنَّ لِلصِّبَا أَثَرًا فِي عَدَمِ الشَّهْوَةِ. قَالَ قَاضِي خَانْ: الْغُلَامُ الَّذِي بَلَغَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً إذَا لَمْ يُصَلِّ إلَى امْرَأَتِهِ وَيَصِلُ إلَى غَيْرِهَا يُؤَجَّلُ.

وَلَوْ وَجَدَتْ زَوْجَهَا الْمَجْنُونَ عِنِّينًا فَخَاصَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ يُؤَجَّلُ لِسَنَةٍ لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يُعْدِمُ الشَّهْوَةَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا وَطَلَبَتْ الْفُرْقَةَ مِمَّنْ يُخَاصِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي انْتِظَارِ بُلُوغِهِ فَيُجْعَلُ وَلِيُّهُ خَصْمًا وَإِلَّا نَصَّبَ الْقَاضِي عَنْهُ خَصْمًا وَفَرَّقَ لِلْحَالِ.

وَلَوْ جَاءَ الْوَلِيُّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِبَيِّنَةٍ عَلَى رِضَاهَا بِعُنَّتِهِ وَجَبِّهِ أَوْ عَلَى عِلْمِهَا بِحَالِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَزِمَ النِّكَاحُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ طَلَبَ يَمِينَهَا عَلَى ذَلِكَ تَحْلِفُ، فَإِنْ نَكَلَتْ لَمْ يُفَرَّقْ وَإِلَّا فُرِّقَ، وَلَوْ وُكِّلَتْ الْكَبِيرَةُ بِالتَّفْرِيقِ وَغَابَتْ هَلْ يُفَرِّقُ بِطَلَبِ الْوَكِيلِ؟ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْجَبِّ فَادَّعَتْهُ فَأَنْكَرَهُ يُرِيهِ رَجُلًا، فَإِنْ أَمْكَنَ عِلْمُهُ بِهِ بِالْجَسِّ مِنْ وَرَاءِ ثَوْبٍ لَا يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِذَلِكَ إلَّا بِكَشْفِهَا لِلضَّرُورَةِ.

وَلَوْ جَاءَتْ امْرَأَةُ الْمَجْبُوبِ بِوَلَدٍ بَعْدَ الْفُرْقَةِ إلَى سَنَتَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَا يَبْطُلُ التَّفْرِيقُ، بِخِلَافِهِ فِي الْعِنِّينِ حَيْثُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَيَبْطُلُ التَّفْرِيقُ. ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِتَفْرِيقِهِ وَهُوَ بَائِنٌ فَكَيْفَ يَبْطُلُ بَعْدَ وُقُوعِهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا لَا يَبْطُلُ التَّفْرِيقُ انْتَهَى.

لَكِنَّ وَجْهَ التَّفْرِقَةِ يُبْعِدُ هَذَا الْبَحْثَ، وَهُوَ أَنَّ التَّفْرِيقَ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعُنَّةِ وَالْجَبِّ، وَثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَهُوَ مَجْبُوبٌ، بِخِلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>