وَالطَّبْعُ مُؤَيَّدٌ بِالشَّرْعِ. قَالَ ﵊ «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ»
لِوَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ خِيَارُ فَسْخِ النِّكَاحِ بِعَيْبٍ فِي الْآخَرِ كَائِنًا مَنْ كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي زِيَادٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَأَتْبَاعِهِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: إنَّهُ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ ﵄. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: لَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ بِعَيْبٍ فِي الْمَرْأَةِ وَلَهَا هِيَ الْخِيَارُ بِعَيْبٍ فِيهِ مِنْ الثَّلَاثَةِ: الْجُنُونُ، وَالْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: لِكُلٍّ مِنْهُمَا خِيَارُ الْفَسْخِ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَلِلزَّوْجِ الْفَسْخُ إذَا كَانَتْ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَيْضًا، فَلَهُ الْخِيَارُ فِي خَمْسَةِ عُيُوبٍ وَلَهَا فِي ثَلَاثَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَشُرَيْحٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَتُرَدُّ بِجَمِيعِ الْعُيُوبِ، وَكَذَا مِنْ الْجُنُونِ الْعَارِضِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْجُنُونِ مَشْهُورَاتٌ، وَالْفِعْلُ مِنْ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَيُقَالُ: جُذِمَ وَجُنَّ إذَا أُصِيبَ بِالْجُذَامِ وَالْجُنُونِ فَهُوَ مَجْذُومٌ وَمَجْنُونٌ، وَلَا يُقَالُ أَجْذَمَ وَلَا أَجَنَّ وَلَا مَجَنَ، وَثَلَاثَةٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَفْعُولِينَ مِنْ أَفْعَلَ جَاءَتْ عَلَى مَفْعُولٍ دُونَ مُفْعَلٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ: مَجْنُونٌ وَمَحْزُونٌ مِنْ أَحْزَنَهُ اللَّهُ وَمَحْبُوبٌ مِنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ. وَجَاءَ عَلَى الْقِيَاسِ فِي الثَّالِثِ فِي قَوْلِ عَنْتَرَةَ:
وَلَقَدْ نَزَلْتَ فَلَا تَظُنِّي غَيْرَهُ … مِنِّي بِمَنْزِلَةِ الْمُحِبِّ
الْمُكْرِمِ وَالْفِعْلُ مِنْ الْبَرَصِ بَرِصَ فَهُوَ أَبْرَصُ وَأَبْرَصَهُ اللَّهُ.
وَالرَّتْقُ الِالْتِحَامُ، وَالرَّتْقَاءُ هِيَ الْمُلْتَحِمَةُ. وَالْقَرْنُ فِي الْفَرْجِ إمَّا غُدَّةٌ غَلِيظَةٌ أَوْ عَظْمٌ يَمْنَعُ سُلُوكَ الذَّكَرِ. لِلشَّافِعِيِّ ﵀ وَمَنْ مَعَهُ النَّصُّ فِي بَعْضِهَا وَقِيَاسَانِ فِي بَعْضِهَا، وَثَلَاثَةُ أَقْيِسَةٍ فِي بَعْضِهَا. أَمَّا النَّصُّ فَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﷺ رَدَّ بِالْعَيْبِ، قَالَ لِلَّتِي رَأَى بِكَشْحِهَا وَضَحًا أَوْ بَيَاضًا الْحَقِي بِأَهْلِكِ» فَصَارَ الْبَرَصُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فَيُلْحَقُ بِهِ الْجُذَامُ وَالْجُنُونُ بِجَامِعِ أَنَّهُ يَنْفِرُ مِنْهُ الطَّبْعُ، وَهَذَا الْوَصْفُ وَهُوَ كَوْنُهُ مُنَافِرًا لِلطَّبْعِ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي جِنْسِ الْعِلَلِ وَهُوَ الْمُبَاعَدَةُ وَالْفِرَارُ فَإِنَّهُ جِنْسُ الْفَسْخِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ» وَيُجْعَلُ الْجُذَامُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْفِرَارَ يَثْبُتُ بِفَسْخِ نِكَاحِهِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ﷺ «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ» وَيُقَاسُ النِّكَاحُ عَلَى الْبَيْعِ فِي أَنَّهُ يُفْسَخُ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ، هَكَذَا عُيُوبٌ يُفْسَخُ بِهَا الْبَيْعُ فَيُفْسَخُ بِهَا النِّكَاحُ. وَقِيَاسًا عَلَى الْمَجْبُوبِ بِجَامِعِ الْمَنَافِعِ الْحِسِّيِّ فِيمَا بِهِ فَوَاتُ مَقْصُودِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا.
قُلْنَا: أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ جَمِيلِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَلَدٌ اسْمُهُ زَيْدٌ، وَلَوْ سَلِمَ جَازَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا. فَإِنَّ لَفْظَ الْحَقِي بِأَهْلِك مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى إبَاحَةِ الْقُرْبِ مِنْهُ وَيُثَابُ بِخِدْمَتِهِ وَتَمْرِيضِهِ وَعَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَتَخَلَّفَ فِيهِ جُزْءُ الْمُقْتَضِي أَوْ شَرْطُهُ، فَإِنَّ الْمُقْتَضِيَ بِفَسْخِ الْعَيْبِ مَعَ وُقُوعِهِ فِي عَقْدِ مُبَادَلَةٍ تَجْرِي فِيهِ الْمُشَاحَحَةُ وَالْمُضَايَقَةُ بِسَبَبِ كَوْنِ الْمُرَادِ مِنْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ الْمَالَ وَهَذَا شَرْطُ عَمَلِهِ، وَالنِّكَاحُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمَالَ فِيهِ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا شُرِعَ إظْهَارًا لِخَطَرِ الْمَحَلِّ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ لَوَازِمُهُمَا حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute