للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ) لِأَنَّهُ مُتَجَزِّئُ فَأَمْكَنَ تَنْصِيفُهُ عَمَلًا بِالرِّقِّ.

(وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ فِي الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا

الْحَيْضَةِ فَتَكْمُلُ الثَّلَاثُ فَيَتَحَقَّقُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْعَدَدِ وَزِيَادَةٌ تُثْبِتُ ضَرُورَةَ التَّكْمِيلِ وَهُوَ جَائِزٌ، إذْ لَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَى حَقِيقَةِ إقَامَةِ الْوَاجِبِ إلَّا بِهَا، بِخِلَافِ طُهْرَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ حَقِيقَتُهُ أَصْلًا.

لَا يُقَالُ: قَدْ أُرِيدَ بِالْعَدَدِ غَيْرَ كَمِّيَّتِهِ الْمُفَادَةِ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً﴾ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمْ يُرَدْ بِالْعَدَدِ عَدَدٌ آخَرُ مُبَايِنٌ لَهُ بَلْ مُجَرَّدُ التَّكْثِيرِ، وَأَيْنَ هَذَا مِنْ أَنْ يُرَادَ بِسَبْعِينَ مَثَلًا ثَمَانُونَ أَوْ مِائَةٌ.

الثَّانِي: قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ أَيْ الْحَيْضَ هُوَ الْمُعَرِّفُ بِالذَّاتِ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، بِخِلَافِ الطُّهْرِ لِأَنَّهُ وَإِنْ دَلَّ فَبِوَاسِطَةِ الْحَيْضِ الَّذِي يَسْتَلْزِمُهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفِيدُ لِعَدَمِ انْسِدَادِ فَمِ الرَّحِمِ بِالْحَبَلِ إذْ لَوْ انْسَدَّ بِهِ لَمْ تَحِضْ عَادَةً، وَلِذَا نَصَّ أَنَّ مُفِيدَ الْبَرَاءَةِ الْحَيْضُ حَيْثُ قَالَ فِي السَّبَايَا «حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» وَلَمْ يَقُلْ بِطُهْرٍ.

الثَّالِثُ هُوَ قَوْلُهُ «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ تَخْرِيجُهُ. وَأَسْنَدَ الشَّافِعِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أَبِي طَلْحَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ امْرَأَتَيْنِ وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ حَيْضَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ فَشَهْرَيْنِ أَوْ شَهْرًا وَنِصْفًا. وَكَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهَا لَا تُخَالِفُ الْحُرَّةَ فِيمَا بِهِ الِاعْتِدَادُ بَلْ فِي الْكَمِّيَّةِ فَيَلْتَحِقُ قَوْله تَعَالَى ﴿ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ لِلْإِجْمَالِ الْكَائِنِ بِالِاشْتِرَاكِ بَيَانًا لَهُ.

وَمِنْ الْأَدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ فِيهِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ إلَى قَوْلِهِ ﴿فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ﴾ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الِاعْتِدَادَ بِالْأَقْرَاءِ أَصْلٌ وَالْأَشْهُرُ خَلَفٌ عَنْهُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِهَا، فَلَمَّا عَلَّقَ الْمَصِيرَ إلَيْهِ بِعَدَمِ الْحَيْضِ دَلَّ أَنَّ الْحَيْضَ هُوَ الْمُرَادُ بِالْأَقْرَاءِ فِي الْآيَةِ وَكَوْنُهُ يَنْعَدِمُ الطُّهْرُ بِعَدَمِ الْحَيْضِ، فَالتَّعْلِيقُ بِعَدَمِ الْحَيْضِ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الطُّهْرِ احْتِمَالٌ يُقَابِلُهُ الظُّهُورُ، إذْ الظَّاهِرُ تَعْلِيقُ الْمَصِيرِ إلَى الْخَلْفِ بِعَدَمِ عَيْنِ مَا شُرِعَ أَصْلًا لَا بِعَدَمِ شَيْءٍ آخَرَ يَسْتَلْزِمُهُ، فَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يُقَالَ: وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْقُرُوءِ، فَلَمَّا جَاءَ قَوْله تَعَالَى بِلَفْظِ الْحَيْضِ مَكَانَهُ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ عُلِمَ أَنَّهُ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ هُوَ.

[فَرْعٌ]

تَنْقَضِي عِدَّةُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالثَّلَاثِ بِالْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ بِأَنْ وَطِئَهَا وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَالِمًا بِحُرْمَتِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الشُّبْهَةَ أَوْ كَانَ مُنْكِرًا إطْلَاقَهَا فَإِنَّهَا تَسْتَقْبِلُ الْعِدَّةَ، وَإِذَا كَانَ مُنْكِرًا حَتَّى لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِنَفَقَةِ هَذِهِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ وَيَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا.

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ) لِصِغَرٍ بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْحَيْضِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ، وَأَقَلُّهُ تِسْعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ، أَوْ كِبَرٍ بِأَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ وَانْقَطَعَ حَيْضُهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ﴾ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْقُرُوءِ قَالُوا: قَدْ عَلِمْنَا عِدَّةَ الَّتِي تَحِيضُ فَاَلَّتِي لَا تَحِيضُ لَا نَدْرِي مَا عِدَّتُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.

وَالْمَعْنَى: إنْ ارْتَبْتُمْ فِي عِدَّةِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ فَلَمْ تَعْلَمُوهَا فَإِنَّهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَقِيلَ إنْ ارْتَبْتُمْ فِي الدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ مَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ أَهُوَ حَيْضٌ أَوْ فَسَادٌ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَكَذَا الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَحِضْ بِآخَرَ الْآيَةَ: يَعْنِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ يَعْنِي الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ بِالْحَيْضِ بَلْ بِالسِّنِّ بِأَنْ بَلَغَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>