(وَعِدَّةُ الْأَمَةِ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ) لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ.
(وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾
قَوْلِهِمَا وَسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَلَمْ تَحِضْ إذَا طَلُقَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ أَيْضًا، ثُمَّ إنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ اعْتَدَّتْ بِأَشْهُرٍ هِلَالِيَّةٍ اتِّفَاقًا، وَإِنْ وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَ كُلُّهَا بِالْأَيَّامِ فَلَا تَنْقَضِي إلَّا بِتِسْعِينَ يَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُكَمَّلُ الْأَوَّلُ ثَلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ الْأَخِيرِ وَالشَّهْرَانِ الْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ لَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ عَدَمِ التَّحْرِيرِ فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الَّتِي لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فِي الِاعْتِدَادِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ﴾ الْآيَةَ، ثُمَّ خَصَّ الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَحِضْ بِآخِرِهَا حَيْثُ قَالَ: وَكَذَلِكَ الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ بِآخِرِ الْآيَةِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ آخِرَهَا: أَعْنِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ هُوَ الْمُفِيدُ لِلِاعْتِدَادِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ الَّتِي لَمْ تَحِضْ لِصِغَرٍ كَمَا أَنَّهُ الْمُفِيدُ لِلِاعْتِدَادِ بِهَا فِي الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ كَانَ طُهْرُهَا أَصْلِيًّا فَعِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ سَوَاءٌ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَحِضْ، وَإِنْ اسْتَمَرَّتْ لَا تَحِيضُ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَوْ هِيَ مُرَاهِقَةٌ أَوْ لَمْ تَبْلُغْ إلَى سِنٍّ يُحْكَمُ بِالْبُلُوغِ فِيهِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ أَنَّهُ تِسْعٌ أَوْ سَبْعٌ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ بَلْ يُوقَفُ حَالُهَا حَتَّى يَظْهَرَ هَلْ حَبِلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ أَمْ لَا، فَإِنْ ظَهَرَ حَبَلُهَا اعْتَدَّتْ بِالْوَضْعِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَبِالْأَشْهُرِ. وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ تُحْتَسَبَ بِالْأَشْهُرِ الَّتِي وَقَفَتْ لِيَظْهَرَ حَبَلُهَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ، فَإِنَّهُ ظَهَرَ بِعَدَمِ الْحَبَلِ أَنَّ تِلْكَ الْأَشْهُرِ كَانَتْ هِيَ الْعِدَّةُ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا لَمْ تَدْرِ وَجْهَ عِدَّتِهَا حَتَّى انْقَضَتْ.
وَلَوْ حَاضَتْ الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَالْمُرَاهِقَةُ فِي أَثْنَاءِ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ.
هَذَا وَمِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ الْمُسْتَحَاضَةُ الَّتِي نَسِيَتْ عَادَتَهَا، وَهُوَ مِمَّا يُلْغِزُ فَيُقَالُ: مُطَلَّقَةٌ شَابَّةٌ تَرَى مَا يَصْلُحُ حَيْضًا فِي كُلِّ شَهْرٍ وَعِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ، لَكِنْ فِي التَّحْقِيقِ لَيْسَ عِدَّتُهَا إلَّا بِالْحَيْضِ، لَكِنْ لَمَّا نَسِيَتْ عَادَتَهَا جَازَ كَوْنُهَا أَوَّلَ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ آخِرَهُ، فَإِذَا قُدِّرَتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ عُلِمَ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ بِيَقِينٍ، بِخِلَافِ الَّتِي لَمْ تَنْسَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا، فَجَازَ كَوْنُ عَادَتِهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ فَتَخْرُجُ مِنْ الْعِدَّةِ فِي خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ مِنْ الثَّالِثِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ إطْلَاقَهُمْ فِي الِانْقِضَاءِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ النَّاسِيَةِ لِعَادَتِهَا لَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ، أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ قَدْرُ مَا يَصِحُّ حَيْضَةً يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ غَيْرُ بَاقِي هَذَا الشَّهْرِ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ. وَيَجِبُ فِي الَّتِي بَلَغَتْ مُسْتَحَاضَةً مِثْلَ الْمُسْتَحَاضَةِ الَّتِي ضَلَّتْ عَادَتَهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ لَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْوُجُوبِ عَلَى هَذِهِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بَلْ يَقُولُونَ تَعْتَدُّ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ: قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا هِيَ لَا تُخَاطَبُ بِالِاعْتِدَادِ، وَلَكِنَّ الْوَلِيَّ يُخَاطِبُ بِأَنْ لَا يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْعِدَّةِ مَعَ أَنَّ الْعِدَّةَ مُجَرَّدُ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَثُبُوتُهَا فِي حَقِّهَا لَا يُؤَدِّي إلَى تَوْجِيهِ خِطَابِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَائِلَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَرَاهَا الْحُرُمَاتِ أَوْ التَّرَبُّصَ الْوَاجِبَ. فَإِنْ قُلْت: وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا مُضِيَّ الْمُدَّةِ أَلَيْسَ أَنَّ فِيهَا يَجِبُ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute