. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خِطَابُ نَهْيِ التَّزَوُّجِ بِالْوَلِيِّ فَجَعَلَهَا الْمُدَّةَ كَمَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءُ قَوْلِ الْأَوَّلِ يُخَاطَبُ الْوَلِيُّ بِأَنْ لَا يُزَوِّجَهَا. فَالْجَوَابُ لَا يَلْزَمُ، فَإِنَّا إذَا قُلْنَا بِأَنَّهَا الْمُدَّةُ فَالثَّابِتُ فِيهَا عَدَمُ صِحَّةِ التَّزَوُّجِ لَا خِطَابُ أَحَدٍ بَلْ وَضَعَ الشَّارِعُ عَدَمَ الصِّحَّةِ لَوْ فَعَلَ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا) يَعْنِي الْمُطَلَّقَةَ فَعِدَّتُهَا بِالْوَضْعِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَأَطْلَقَ فَيَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ الثَّابِتَ النَّسَبِ وَغَيْرَهُ، فَلَوْ طَلَّقَ كَبِيرٌ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعَقْدِ فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالْحَيْضِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّغِيرِ.
وَفِي الْمُنْتَقَى: إذَا خَرَجَ مِنْ الْوَلَدِ نِصْفُ الْبَدَنِ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ سِوَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ سِوَى الرَّأْسِ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَالْبَدَنُ مِنْ الْمَنْكِبَيْنِ إلَى الْأَلْيَتَيْنِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: كُلُّ مَنْ حَبِلَتْ فِي عِدَّتِهَا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا حَبِلَتْ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَعِدَّتُهَا بِالشُّهُورِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الْمُطَلَّقَةُ أَمَةً فَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ لِقَوْلِهِ ﷺ «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَغَيْرِهِ وَالْحَيْضَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فَكَمُلَتْ وَثُبُوتُ الزِّيَادَةِ لِضَرُورَةِ التَّكْمِيلِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْقِيقَ الْوَاجِبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ آنِفًا (قَوْلُهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ
) أَيْ إلَى أَنَّ تَكْمِيلَ الثَّانِيَةِ ضَرُورَةٌ بِقَوْلِهِ لَوْ اسْتَطَعْت إلَى آخِرِهِ.
أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ يَقُولُ: لَوْ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَجْعَلَهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا فَعَلْتُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: لَوْ جَعَلْتُهَا شَهْرًا وَنِصْفًا فَسَكَتَ عُمَرُ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِبَاقِي سَنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُ عُمَرَ لِعَدَمِ الِالْتِفَاتِ لِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي ذَاتِ الْأَقْرَاءِ، وَالْعِدَّةُ بِالْأَشْهُرِ لَا تَكُونُ إلَّا لِمَنْ أَيِسَ مِنْهَا، فَمَشُورَةُ الرَّجُلِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ فَأَمْكَنَ تَنْصِيفُهُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي الطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ كَالْأَمَةِ.
(قَوْلُهُ وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ فِي الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً أَوْ آيِسَةً وَزَوْجُهَا عَبْدٌ أَوْ حُرٌّ حَاضَتْ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ أَوْ لَمْ تَحِضْ وَلَمْ يَظْهَرْ حَبَلُهَا.
وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ عِدَّتُهَا عَزِيمَةُ عَامٍ، وَرُخْصَةُ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ﴾ الْآيَةَ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى نَسْخِهَا بِآيَةِ الْأَشْهُرِ: أَعْنِي مَا كَانَ مِنْ وُجُوبِ الْإِيصَاءِ وَالْإِيقَافِ إلَى الْحَوْلِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرِ لَيَالٍ، فَلَوْ تَزَوَّجَتْ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ جَازَ أَخْذًا مِنْ تَذْكِيرِ الْعَدَدِ: أَعْنِي الْعَشْرَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» فَيَجِبُ كَوْنُ الْمَعْدُودِ اللَّيَالِيَ وَإِلَّا لَأَنَّثَهُ. قُلْنَا: الِاسْتِعْمَالُ فِي مِثْلِهِ مِنْ ذِكْرِ عِدَّةِ اللَّيَالِي يُدْخِلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ عَلَى مَا عُرِفَ بِالتَّارِيخِ حَيْثُ يُكْتَبُ بِاللَّيَالِيِ فَيُقَالُ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مَثَلًا وَيُرَادُ كَوْنُ عِدَّةِ الْأَيَّامِ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَشَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ، وَعَنْ عَلِيٍّ ﵁: مِنْ وَقْتِ عِلْمِهَا، حَتَّى لَوْ مَاتَ فِي سَفَرٍ فَلَمْ يَبْلُغْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَهُ ﵁: لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْهَا مِنْ حِينِ عَلِمَتْ لِأَنَّ عَلَيْهَا الْإِحْدَادَ وَلَا يُمْكِنُهَا إقَامَتُهُ إلَّا بِالْمُعْلَمِ.
قُلْنَا: قُصَارَاهُ أَنْ تَكُونَ كَالْعَالِمَةِ وَلَمْ تُحِدَّ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ تَخْرُجُ اتِّفَاقًا مِنْ الْعِدَّةِ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْهَا عَدَمُ التَّزَوُّجِ وَقَدْ وُجِدَ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ لِمَا سَيُذْكَرُ