وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى نَزَلَتْ بَعْدَ الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَقَالَ عُمَرُ: لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ.
وَوُجُوبُهَا عَلَى الْكِتَابِيَّةِ تَحْتَ الْمُسْلِمِ يُؤَيِّدُهُ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً كَالْمُطَلَّقَةِ وَالْمُتَارَكَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ إذَا كَانَتْ حَامِلًا كَذَلِكَ لِإِطْلَاقِ ﴿وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ وَكَانَ عَلِيٌّ ﵁ يَقُولُ: لَا بُدَّ مِنْ الْوَضْعِ وَالْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُوجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ قَوْله تَعَالَى ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ يُوجِبُهَا عَلَيْهَا فَيُجْمَعُ احْتِيَاطًا. وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ تَنْفَسُ بَعْدَ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إذَا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَقَدْ حَلَّتْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الْأَجَلَيْنِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي: يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ، فَأَرْسَلُوا كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهَا قَالَتْ: «وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ». وَفِي التِّرْمِذِيِّ: «أَنَّهَا وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أَوْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا». وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ، لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى يُرِيدُ بِالْقُصْرَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ وَالطُّولَى الْبَقَرَةُ. وَالْمُبَاهَلَةُ الْمُلَاعَنَةُ. كَانُوا إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ اجْتَمَعُوا وَقَالُوا بَهْلَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِ مِنَّا. وَقِيلَ هِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي زَمَانِنَا. وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ الْمُلَاعَنَةِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ: مَنْ شَاءَ لَاعَنْته لَأُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ: مَنْ شَاءَ حَالَفْته.
وَأَسْنَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ﵁ «قُلْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ ﴿وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا؟ فَقَالَ: هِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا» وَفِيهِ الْمُثَنَّى بْنُ صَبَاحٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
وَقَوْلُ عُمَرَ رَوَاهُ فِي الْمَوْطَأِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَقَالَ: إذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَقَدْ حَلَّتْ، فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ وَلَمْ يُدْفَنْ بَعْدَ حَلَّتْ. وَفِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةِ فَسَأَلَهَا عَنْ حَدِيثِهَا، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ حَامِلٌ، فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا، فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لَلْخُطَّابِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ: مَا لِي أَرَاك مُتَجَمِّلَةً لَعَلَّكِ تَرْجِينَ النِّكَاحَ، وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحَةٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَفْتَانِي أَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي، وَأَمَرَنِي بِالتَّزَوُّجِ إنْ بَدَا لِي». وَكُلَّمَا كَانَ الِاعْتِدَادُ بِالْوَضْعِ لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ إلَّا بِوَضْعِ الْكُلِّ، فَلَوْ وَضَعَتْ وَلَدًا وَفِي بَطْنِهَا آخَرُ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا وَقَوْلُهَا أَفْتَانِي أَنِّي قَدْ حَلَلْت حِينَ وَضَعْت يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ: لَا تَحِلُّ حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ نِفَاسِهَا، كَأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute