للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَإِذَا وَرِثَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ فَعِدَّتُهَا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا، أَمَّا إذَا كَانَ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بِالْإِجْمَاعِ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِالطَّلَاقِ وَلَزِمَتْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ إذَا زَالَ النِّكَاحُ فِي الْوَفَاةِ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لَا فِي حَقِّ تَغَيُّرِ الْعِدَّةِ، بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ يُجْعَلُ بَاقِيًا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ

قَوْلِهِ: فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا قَالَ لَهَا: انْكِحِي مَنْ شِئْت. رَتَّبَ الْإِحْلَالَ عَلَى التَّعَلِّي فَيَتَرَاءَى تَوَقُّفُهُ عَلَى الطُّهْرِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ، لَكِنْ مَا ذَكَرْنَا صَرِيحٌ فِي ثُبُوتِ الْحِلِّ بِالْوَضْعِ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْأَشْهُرِ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْمُدَّةِ ظَهَرَ فَسَادُ النِّكَاحِ وَلَحِقَ بِالْمَيْتِ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا وَرِثَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ) يَتَعَلَّقُ بِالْمُطَلَّقَةِ: أَيْ وَرِثَتْ الَّتِي طَلُقَتْ فِي الْمَرَضِ بِأَنْ طَلَّقَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا بِحَيْثُ صَارَ فَارًّا وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ (فَعِدَّتُهَا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) أَيْ الْأَبْعَدُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَثَلَاثِ حِيَضٍ. فَلَوْ تَرَبَّصَتْ حَتَّى مَضَتْ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَلَمْ تَسْتَكْمِلْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى تَسْتَكْمِلَهَا. وَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَلَمْ تَمْضِ لَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ بِأَنْ امْتَدَّ طُهْرُهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى تَمْضِيَ. وَإِنْ مَكَثَتْ سِنِينَ مَا لَمْ تَدْخُلْ سِنَّ الْإِيَاسِ فَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ. إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَمَنْ فَسَّرَ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ بِأَنَّهَا تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ مُقَصِّرٍ، إذْ لَا يَصْدُقُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ أَبْعَدَ مِنْ الثَّلَاثِ حِيَضٍ، وَحَقِيقَةُ الْحَالِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَتَرَبَّصَ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ، وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي صُوَرٍ إحْدَاهَا: هَذِهِ. وَالثَّانِيَةُ: إذَا قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ بَائِنٌ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ الِاعْتِدَادُ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ وَلَوْ بَيَّنَ فِي إحْدَاهُمَا كَانَ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ. وَالثَّالِثَةُ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ زَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا وَلَمْ يُدْرَ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَعُلِمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، وَسَنُفَصِّلُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الطَّلَاقِ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا، أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ سَوَاءٌ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ فِي صِحَّتِهِ وَدَخَلَتْ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَتَرِثُ، بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ لَا تَنْتَقِلُ وَلَا تَرِثُ بِالِاتِّفَاقِ.

(قَوْلُهُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِالْبَائِنِ وَلَزِمَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ حُكْمًا لَهُ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ إذَا انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ، وَإِنَّمَا بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَدًّا لِقَصْدِهِ السَّيِّئِ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِبَقَائِهِ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِهِ الْعِدَّةُ، بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>