فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي.
(وَلَوْ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ أَيِسَتْ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ) تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ.
يَكُونُ النِّكَاحُ فَاسِدًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ﵏، إلَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ النِّكَاحِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ لَا يَكُونُ النِّكَاحُ فَاسِدًا. ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ النِّكَاحَ يَكُونُ جَائِزًا وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ. وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ: الْعِدَّةُ بِالْحَيْضِ. انْتَهَى.
فَتَحَصَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ عَلَى التَّقْدِيرِ وَعَدَمِهِ، وَهِيَ تُنْتَقَضُ إذَا رَأَتْهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَشْهُرِ وَبَعْدَهَا فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ قَدْرَ أَقَلِّ مُدَّةِ الْإِيَاسِ أَوْ لَا حُكِمَ بِالْإِيَاسِ أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ مِنْ التَّصْوِيرِ وَالتَّعْلِيلِ لَا تُنْتَقَضُ مُطْلَقًا، تُنْتَقَضُ كَذَلِكَ إذَا رَأَتْهُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَشْهُرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَلَا يَبْطُلُ فَلَا تُنْتَقَضُ الْأَنْكِحَةُ قَضَى بِالْإِيَاسِ أَوْ لَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّهِيدِ تُنْتَقَضُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَضَى بِإِيَاسِهَا كَمَا قُلْنَا: لَا تُنْتَقَضُ إنْ كَانَ حَكَمَ بِإِيَاسِهَا، وَهُوَ بِأَنْ يُدَّعَى فَسَادُ النِّكَاحِ فَيَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ وَبِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَتُنْتَقَضُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَكَمَ بِالْإِيَاسِ. وَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ الْمُصَحَّحُ فِي النَّوَازِلِ اُنْتُقِضَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا تَعْتَدُّ إلَّا بِالْحَيْضِ لَا الْمَاضِي، فَلَا تَفْسُدُ الْأَنْكِحَةُ الْمُبَاشَرَةُ عَنْ الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ.
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ كُلِّ قَوْلٍ يُخَالِفُ إطْلَاقَ الِانْتِقَاضِ مُطْلَقًا كَانَ أَوْ مُفَصَّلًا، وَمَبْنَى مُخْتَارِهِ عَلَى اشْتِرَاطِ تَحَقُّقِ الْإِيَاسِ لِخَلْفِيَّةِ الْأَشْهُرِ بِالنَّصِّ، وَإِنْ تَحَقَّقَ الْيَأْسُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاسْتِدَامَةِ الِانْقِطَاعِ إلَى الْمَمَاتِ، وَلَا شَكَّ فِي الْأَوَّلِ، لَكِنَّ كَوْنَ تَحَقُّقِهِ مَوْقُوفًا عَلَى اسْتِدَامَةِ الِانْقِطَاعِ لَا أَعْلَمُ فِيهِ دَلِيلًا سِوَى مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ لَفْظِ الْيَأْسِ أَنَّهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْيَأْسَ مِنْ مَقُولَةِ الْإِدْرَاكِ فَإِنَّهُ لَيْسَ إلَّا اعْتِقَادَ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَقَعُ أَبَدًا؛ أَمَّا أَنَّهُ يَسْتَدْعِي كَوْنَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ عِلْمًا حَتَّى لَا يُتَصَوَّرَ وُجُودُ خِلَافِ مُتَعَلَّقِهِ فَلَا، وَلِذَا قَدْ يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ مِنْ الشَّيْءِ ثُمَّ يُوجَدُ، وَكَثِيرًا مَا يُقَالُ فِي الْوَقَائِعِ كُنْتُ آيَسْت مِنْ كَذَا ثُمَّ وَجَدْتُهُ. فَإِنَّمَا يَسْتَدْعِي سَبَبًا لَهُ، وَكَوْنُهُ بِأَنْ يَنْعَدِمَ الْحَيْضُ وَيَمْتَدَّ وَيَنْتَفِيَ مَخَايِلُ وُجُودِهِ فِي بَاقِي الْعُمُرِ لِكِبَرِ السِّنِّ كَافٍ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا رَأَتْهُ بَعْدَ الْإِيَاسِ لَا يُنْتَقَضُ مَا مَضَى، وَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ الْمُبَاشِرُ عَنْ اعْتِدَادٍ بِالْأَشْهُرِ لِوُقُوعِهِ مُعْتَبَرًا لِوُجُودِ شَرْطِهِ، وَيَبْقَى النَّظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُنْتَقَضُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَلَا تَعْتَدُّ إلَّا بِالْحَيْضِ فَيَكُونُ هَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ، أَوْ لَا يُنْتَقَضُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ أَيْضًا كَقَوْلِ الصَّفَّارِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى النَّظَرِ فِيمَا يَتَرَجَّحُ فِي هَذَا الْمَرْئِيِّ بَعْدَ الْإِيَاسِ أَهُوَ حَيْضٌ أَمْ دَمٌ فَاسِدٌ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْقَضَاءِ بِالْإِيَاسِ وَعَدَمِهِ، إذْ الْقَضَاءُ لَا يَرْفَعُ وُجُودَ الْمَحْسُوسَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْوَجْهُ يَقْتَضِي الِاخْتِلَافَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يُنْتَقَضُ مَا مَضَى لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْإِيَاسُ لِوُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ الِانْقِطَاعُ فِي سِنِّهِ وَهُوَ الَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ ارْتِفَاعُ الْحَيْضِ وَهُوَ الْخَمْسُ وَالْخَمْسُونَ وَعَدَمُ مَخَايِلِ كَوْنِهِ امْتِدَادًا لِلطُّهْرِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَّا الْحَيْضُ لِتَحَقُّقِ الدَّمِ الْمُعْتَادِ خَارِجًا مِنْ الْفَرْجِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْفَسَادِ بَلْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْإِيَاسَ لَا يُنَافِيهِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ الْإِيَاسُ تَحَقَّقَ حُكْمُهُ، وَإِذَا تَحَقَّقَ الْحَيْضُ تَحَقَّقَ حُكْمُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا كَوْنُ الْعَجْزِ الْمُسْتَدَامِ شَرْطًا فِي الشَّيْخِ الْفَانِي فَلَا يُسْتَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الْإِيَاسِ إذْ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا تَثْبُتُ شَرْعًا، وَالْمَسْأَلَةُ نَصِّيَّةٌ لَا قِيَاسِيَّةٌ، نَصَّ تَعَالَى عَلَى تَعْلِيقِ الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ عِنْدَ الْإِيَاسِ وَقَدْ وُجِدَ فَثَبَتَ الِاعْتِدَادُ بِهَا بِالنَّصِّ ثُمَّ زَالَ الْإِيَاسُ فَثَبَتَ الِاعْتِدَادُ بِالْأَقْرَاءِ بِالنَّصِّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ أَيِسَتْ) بِأَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ عِنْدَ الْحَيْضَتَيْنِ وَانْقَطَعَ، أَوْ انْقَطَعَ عِنْدَهُمَا فِي سِنٍّ لَمْ تَحِضْ فِيهِ أُمُّهَا وَأَخَوَاتُهَا عَلَى مَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ.
وَقَوْلُهُ (تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ) هَذَا التَّعْلِيلُ هُوَ الْمُفِيدُ لِكَوْنِ الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ أَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ بِالشُّهُورِ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا مَاءَ يَتَيَمَّمُ وَيَبْنِي، وَكَذَا لَوْ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute