(وَإِذَا مَاتَ مَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ عَنْهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ)
بِالْحَيْضِ أَوْ الِاسْتِحَاضَةِ مَعَ الْحَمْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُخَالَفَتِهَا قَلِيلًا وَهُوَ ثُبُوتُ الْحَمْلِ مَعَ الدَّمِ مَرَّةً، بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّ التَّعَرُّفَ مَقْصُودٌ فِيهِ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ بِاسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ مِنْ الْمَرْأَةِ فَعَرَفْنَا بِذَلِكَ أَنَّ فِيهِ شَائِبَةَ التَّعَبُّدِ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ مَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ عَنْهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ) فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ: يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَلَا تَحْتَ زَوْجٍ وَلَا فِي عِدَّتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فِي الْأَوَّلِ. وَفِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْ الْمَوْلَى لِعَدَمِ ظُهُورِ فِرَاشِ الْمَوْلَى.
وَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا وَمَوْلَاهَا وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا أَوَّلُ، فَإِمَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَقَلَّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ كَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ يَوْمٍ إلَى شَهْرَيْنِ وَأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، أَوْ يَعْلَمَ أَنَّهُ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، أَوْ لَا يَعْلَمُ كَمْ بَيْنَهُمَا، فَفِي الْأَوَّلِ تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَوْتُ الْمَوْلَى أَوَّلًا فَلَا عِدَّةَ مِنْهُ لِأَنَّهَا ذَاتُ بَعْلٍ، ثُمَّ مَوْتُ الزَّوْجِ بَعْدَهُ وَهِيَ حُرَّةٌ مُوجِبٌ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَإِنْ كَانَ مَوْتُ الزَّوْجِ أَوَّلًا لَزِمَهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ، ثُمَّ مَوْتُ الْمَوْلَى قَبْلَ تَمَامِ عِدَّتِهَا مُوجِبٌ لِلْعِتْقِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْعِدَّةِ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ وَلَا لِتَغَيُّرِهَا لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِفُرْقَةِ الرَّجْعِيِّ فَتَيَقَّنَّا بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى وَدَارَتْ فِي الزَّوْجِ بَيْنَ كَوْنِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ فَلَزِمَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَفِي الثَّانِي يَجِبُ أَنْ تَعْتَدَّ بِأَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ: يَعْنِي تَجْمَعُ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَثَلَاثِ حِيَضٍ، لِأَنَّ السَّيِّدَ إنْ كَانَ مَاتَ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مَاتَ أَوَّلًا فَعِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ، ثُمَّ مَوْتُ السَّيِّدِ بَعْدَهَا يُوجِبُ عَلَيْهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الزَّوْجِ، فَعَلَى تَقْدِيرِ عِدَّتِهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ عِدَّتِهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَثَلَاثُ حِيَضٍ، فَلَمَّا لَمْ يَعْلَمْ الْوَاقِعَ كَانَ الِاحْتِيَاطُ بِأَنْ تَعْتَدَّ بِأَكْثَرَ مَا يَلْزَمُهَا، وَفِي الثَّالِثِ كَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْوَاقِعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَقَطْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُتَأَخِّرُ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَيْضُ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِلْمَوْلَى وَهُوَ ظُهُورُ فِرَاشِهِ لَمْ يُوجَدْ، وَالِاحْتِيَاطُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ظُهُورِ السَّبَبِ لِأَنَّهُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَقَوْلُهُمْ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَمُجَاهِدٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَقَوْلُنَا قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ.
وَعِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ وَتَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِمْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَنَا بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَعِنْدَ غَيْرِنَا بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قِيَاسِيَّةٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَعِتْقِهِ كُلٌّ مِنْ أَمْرَيْنِ: زَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَزَوَالِ الْفِرَاشِ. فَقَاسُوا عَلَى الْأَوَّلِ هَكَذَا تَرَبُّصٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute