للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّهَا تَجِبُ بِزَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَشَابَهَتْ الِاسْتِبْرَاءَ. وَلَنَا أَنَّهَا وَجَبَتْ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ فَأَشْبَهَ عِدَّةَ النِّكَاحِ ثُمَّ إمَامُنَا فِيهِ عُمَرُ فَإِنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ

يَجِبُ بِزَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَيُقَدَّرُ بِحَيْضَةٍ كَالِاسْتِبْرَاءِ. وَقُلْنَا: تَرَبُّصٌ يَجِبُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ فَيُقَدَّرُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَالتَّرَبُّصِ فِي الطَّلَاقِ، وَهَذَا أَرْجَحُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهَا، فَالْقِيَاسُ الْمُوجِبُ لِلْأَكْثَرِ وَاجِبُ الِاعْتِبَارِ عَلَى أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا فِي إيجَابِ الزَّائِدِ عَلَى الْحَيْضَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفْيَ وُجُوبِ الزَّائِدِ عَلَى الْحَيْضَةِ لَيْسَ مُقْتَضَى قِيَاسِ الِاسْتِبْرَاءِ بَلْ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ لَيْسَ إلَّا تَعْدِيَةَ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ وُجُوبُ التَّرَبُّصِ حَيْضَةً فَقَطْ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الزَّائِدِ بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لَا أَنَّهُ مُقْتَضَاهُ، فَإِنَّ أَثَرَ الْعِلَّةِ فِيهِ وَفِي كُلِّ قِيَاسٍ إنَّمَا هُوَ فِي تَعْدِيَةِ حُكْمِ الْأَصْلِ لَا فِي غَيْرِهِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ، ثُمَّ لَا يَجِبُ ذَلِكَ الْغَيْرُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِهِ.

فَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَإِيجَابُ الزَّائِدِ عَلَى الْحَيْضَةِ يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ الَّذِي عَيَّنَّاهُ، وَلَا يَقْتَضِي نَفْيَهُ مَا عَيَّنُوهُ فَيَسْلَمُ إيجَابُهُ عَنْ الْمُعَارِضِ. وَعَلَى هَذَا التَّحْقِيقِ فَالْمُعَارَضَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بَيْنَ كُلِّ قِيَاسَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبُ أَحَدِهِمَا بَعْضَ مُوجِبِ الْآخَرِ، وَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الْعِلَّةِ التَّعَرُّضُ لِغَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ، فَإِذَا كَانَ فِي الْفَرْعِ جَامِعَانِ بِلَا مَانِعٍ أَحَدُهُمَا يَقْتَضِي فِيهِ حُكْمًا وُجُودِيًّا وَالْآخَرُ غَيْرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ أَحَدِهِمَا ثُبُوتُ حُكْمِهِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ انْتِفَاءُ حُكْمِ الْآخَرِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ الْقِيَاسُ وَالتَّعْلِيلُ لِنَفْيِ حُكْمٍ، فَإِنَّ النَّفْيَ حِينَئِذٍ مُقْتَضَاهُ، وَفِيهِ كَلَامٌ فِي الْأُصُولِ وَمَنْ اخْتَارَهُ شَرَطَ كَوْنَ الْعِلَّةِ أَمْرًا عَدَمِيًّا. وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى نَفْيِهِ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يُؤْثِرُ شَيْئًا، وَمَا وَقَعَ فِي الْفِقْهِ بِمَا ظَاهِرُهُ التَّعْلِيلُ بِهِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي عَدَمِ الْخَمْسِ فِي مَوْضِعٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَنَحْوِهِ فَإِنَّمَا حَقِيقَتُهُ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ الشَّرْعِ مَا اُعْتُبِرَ مَنُوطًا بِهِ الْخَمْسُ إلَّا ذَلِكَ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ فَيَنْتَفِي الْخَمْسُ: أَيْ يَبْقَى عَلَى عَدَمِهِ الْأَصْلِيِّ لَا أَنَّهُ إلْحَاقٌ بِجَامِعٍ مُؤْثِرٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُوجِبُ أَحَدِهِمَا بَعْضَ مُوجِبِ الْآخَرِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْجَامِعَيْنِ مُتَظَافَرَانِ عَلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ الْبَعْضِ، وَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِإِثْبَاتِ أَمْرٍ آخَرَ لَيْسَ نَفْيُهُ مُقْتَضَى الْآخَرِ.

(قَوْلُهُ وَإِمَامُنَا فِيهِ عُمَرُ ) رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ: أَمَرَ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا عَتَقَتْ أَنْ تَعْتَدَّ ثَلَاثَ حِيَضٍ، وَكَتَبَ إلَيَّ عُمَرَ فَكَتَبَ بِحُسْنِ رَأْيِهِ، فَأَمَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْوَفَاةِ كَذَلِكَ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ فِي الْعِتْقِ مِنْ شَخْصٍ قَوْلُهُ بِهِ فِي الْوَفَاةِ، أَلَا يُرَى إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ بِهَا فِي الْعِتْقِ.

وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ عَنْ قَبِيصَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: لَا تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا، عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. لَكِنْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَقَبِيصَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَمْرِو فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَهُوَ عِنْدَنَا غَيْرُ ضَائِرٍ إذَا كَانَ قَبِيصَةُ ثِقَةً.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ قَالَا: ثَلَاثٌ حِيَضٍ إذَا مَاتَ عَنْهَا: يَعْنِي أُمَّ الْوَلَدِ. وَأَخْرَجَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ، فَعَلَى هَذَا تَعَارَضَ النَّقْلُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالْحَارِثُ ضَعِيفٌ، إلَّا أَنَّ غَالِبَ نَقْلِ الْمَذَاهِبِ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ مِثْلِهِ، وَالْمُتَحَقِّقُ أَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ السَّلَفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>