مُحْتَسَبًا مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ الْأُولَى وَلَمْ تُكْمِلْ الثَّانِيَةَ فَعَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الثَّانِيَةِ) وَهَذَا عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَتَدَاخَلَانِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْعِبَادَةُ فَإِنَّهَا عِبَادَةُ كَفٍّ عَنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ فَلَا تَتَدَاخَلَانِ كَالصَّوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ
وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ يَتَحَقَّقُ بِصُوَرٍ. مِنْهَا الَّتِي زُفَّتْ إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا، وَالْمَوْطُوءَةُ لِلزَّوْجِ بَعْدَ الثَّلَاثِ فِي الْعِدَّةِ بِنِكَاحٍ قَبْلَ نِكَاحِ زَوْجٍ آخَرَ أَوْ فِي الْعِدَّةِ إذَا قَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي، وَاَلَّتِي طَلَّقَهَا بِالْكِنَايَةِ ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ، أَوْ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ فَوَطِئَهَا آخَرُ بِشُبْهَةٍ، أَوْ فِي عِصْمَةٍ فَوَطِئَهَا آخَرُ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ، فَفِي هَذِهِ تَجِبُ عِدَّتَانِ وَيَتَدَاخَلَانِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَعَدَمُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ﵏.
وَمَا فِي الْغَايَةِ مِنْ أَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْمُطَلَّقَةِ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ فِي الْفِعْلِ وَالشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ لَا يُثْبِتُ النَّسَبَ بِالْوَطْءِ، وَإِنْ قَالَ ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لَا تَجِبُ بِهِ الْعِدَّةُ سَيَأْتِي دَفْعُهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ مَعْنَى التَّدَاخُلِ جَعْلُ الْمَرْئِيِّ عَنْهُمَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ وُطِئَتْ بَعْدَ حَيْضَةٍ مِنْ الْعِدَّةِ الْأُولَى فَعَلَيْهَا حَيْضَتَانِ تَمَامُهَا وَتُحْتَسَبُ بِهِمَا مِنْ عِدَّةِ الثَّانِي، وَلِلْآخَرِ أَنْ يَخْطُبَهَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا فِي عِدَّتِهِ وَلَا يَخْطُبُهَا غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا إذَا شَاءَ لَا يُقِرُّ بِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ الْآخَرِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَائِنًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا بَعْدَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْ الثَّانِي حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ الْعِدَّتَانِ بِالشُّهُورِ، قَالُوا: وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ رُكْنَ الْعِدَّةِ مَاذَا؟ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْحُرُمَاتِ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَإِذَا وَجَبَ كَفٌّ عَنْهَا فِي مُدَّةٍ بِسَبَبٍ وَكَفٌّ عَنْهَا كَذَلِكَ بِسَبَبٍ آخَرَ لَا يَتَدَاخَلَانِ، لِأَنَّ هَذَا الْكَفَّ عِبَادَةٌ وَالْعِبَادَاتُ لَا تَتَدَاخَلُ، إنَّمَا التَّدَاخُلُ لَائِقٌ بِالْعُقُوبَاتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَفُّ عَنْ الشَّهْوَتَيْنِ فِي يَوْمٍ بِسَبَبٍ ثُمَّ وَجَبَ مِثْلُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَعِنْدَنَا أَنَّ الرُّكْنَ نَفْسَ تِلْكَ الْحُرُمَاتِ الْكَائِنَةِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ.
وَيُمْكِنُ اجْتِمَاعُ حُرُمَاتٍ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ كَالْخُرُوجِ وَالتَّزَوُّجِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ بِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَى عَدَمِ شُرْبِهَا نَهَارًا لِلصَّائِمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَنْقَضِي بِدُونِ عِلْمِهَا وَمَعَ تَرْكِهَا الْكَفَّ، وَنَحْنُ نَسْتَأْنِفُ الْكَلَامَ وَنَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّهُ يَثْبُتُ عِنْدَ تَمَامِ سَبَبِ الْعِدَّةِ أُمُورٌ: هِيَ حُرْمَةُ الْخُرُوجِ وَحُرْمَةُ الزِّينَةِ وَحُرْمَةُ التَّزَوُّجِ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ تَنْتَهِي هَذِهِ الْحُرُمَاتُ بِانْتِهَائِهَا، وَوُجُوبُ التَّرَبُّصِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَيْضًا الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ مَعَ أَنَّ هَذَا الْوُجُوبَ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ لَازِمًا لِلْحُرْمَةِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ وَمُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ لَيْسَ إلَّا فِعْلَ الْمُكَلَّفِ، وَالتَّرَبُّصُ وَإِنْ كَانَ الِانْتِظَارُ فَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute