للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ وَتَحْتَسِبُ بِمَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ فِيهَا) تَحْقِيقًا لِلتَّدَاخُلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.

وَأَمَّا عَلَى نَفْسِ الْمُدَّةِ فَفِي نَحْوِ قَوْلِنَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَمَا سَنَذْكُرُ أَيْضًا، وَأَمَّا عَلَى نَفْسِ الْحُرُمَاتِ فَبِفَرْضِ دَعْوَانَا أَنَّهَا الرُّكْنُ، لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي بَيَانِ أَنَّ مُسَمَّى لَفْظِ الْعِدَّةِ فِي الشَّرْعِ مَاذَا؟ فَاَلَّذِي يُفِيدُهُ حَقِيقَةُ نَظْمِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ قَوْلُهُ ﷿ ﴿فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ﴾ أَنَّهُ نَفْسُ الْمُدَّةِ الْخَاصَّةِ الَّتِي تَعَلَّقَتْ الْحُرُمَاتُ فِيهَا وَتَقَيَّدَتْ بِهَا لَا الْحُرُمَاتُ الثَّابِتَةُ فِيهَا وَلَا وُجُوبُ الْكَفِّ وَلَا التَّرَبُّصُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾ إنَّمَا يُفِيدُ لُزُومَ التَّرَبُّصِ لَا أَنَّهُ مُسَمَّى لَفْظِ الْعِدَّةِ، وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ كُلًّا مِنْ الْأُمُورِ ثَابِتٌ عِنْدَ تَمَامِ السَّبَبِ وَالْكَلَامُ الْآنَ لَيْسَ فِيهِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ﴿أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ فَالْأَجَلُ هُوَ مَا كَانَ مِنْ الْمُدَّةِ لِتَأْخِيرِ مَا ثَبَتَ عِنْدَ مُضِيِّهِ كَالْمُطَالَبَةِ فِي الدَّيْنِ، ثُمَّ الثَّابِتُ بِمُضِيِّ هَذَا الْأَجَلِ حِلُّ النِّكَاحِ وَالْخُرُوجِ فَيَكُونُ الثَّابِتُ قَبْلَهُ حُرْمَتُهُمَا، وَلَا دَلِيلَ فِيهِ أَيْضًا إلَّا عَلَى مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ الرُّكْنَ كَمَا قُلْنَا فِي التَّرَبُّصِ، وَأَمَّا وَصْفُ الْعِدَّةِ بِالْوُجُوبِ فِي قَوْلِنَا الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ وَوَجَبَتْ فَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا فِعْلٌ كَالتَّرَبُّصِ وَالْكَفِّ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ الْمَفْهُومَ الْحَقِيقِيَّ إلَّا ظَاهِرًا، وَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُعَارِضْهُ النَّظْمُ الْقُرْآنِيُّ.

فَتَلَخَّصَ أَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ مُسَمَّى الْعِدَّةِ الْمُدَّةَ الْخَاصَّةَ الَّتِي تَعَلَّقَتْ فِيهَا الْحُرُمَاتُ عِنْدَ الْكُلِّ.

وَحِينَئِذٍ نَقُولُ: لَا يَلْزَمُ بِنَاءُ الْخِلَافِ فِي تَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ عَلَى كَوْنِ رُكْنِ الْعِدَّةِ الْكَفَّ أَوْ الْحُرُمَاتِ، بَلْ يَصِحُّ ثُبُوتُهُ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا الْمُدَّةُ حَقِيقَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حِينَئِذٍ تَعَلَّقَتْ فِيهَا حُرُمَاتٌ يَجِبُ لَهَا كَفُّ النَّفْسِ عَنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا. فَتَدَاخُلُ الْعِدَّتَيْنِ يَسْتَلْزِمُ تَدَاخُلَ تِلْكَ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ فِيمَا لَا أَنَّ تَدَاخُلَهَا تَدَاخُلُهَا وَاللَّازِمُ مُتَّحِدٌ حِينَئِذٍ وَهُوَ امْتِنَاعُ تَدَاخُلِ الْعِبَادَاتِ سَوَاءٌ جَاءَ لَازِمًا لِتَدَاخُلِ الْعِدَّةِ أَوْ كَانَ عَيْنَ تَدَاخُلِهَا فَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ كَوْنِ الْمَبْنِيِّ مَا هُوَ. وَالدَّفْعُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ الْكَفَّ الْوَاجِبَ لَمْ يَجِبْ تَحَقُّقُهُ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ بَلْ مُطْلَقًا، إذْ لَا دَلِيلَ يُوجِبُ كَوْنَهُ وَجَبَ إيجَادَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ بَلْ الدَّلِيلُ قَامَ عَلَى عَدَمِهِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْبَالِغَةَ الْعَاقِلَةَ لَوْ وَقَعَ الْكَفُّ مِنْهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ بَلْ اتِّفَاقًا أَوْ لِغَرَضٍ مُبَاحٍ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ لَمْ يُحْكَمْ بِكَوْنِهَا آثِمَةً مَعَ أَنَّهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْعِبَادَةُ لِعَدَمِ نِيَّةِ الِاحْتِسَابِ لِلَّهِ تَعَالَى فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى أَنَّهُ عِبَادَةٌ. نَعَمْ هُوَ لَهُ عَرْضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ عِبَادَةً، فَإِنَّ الْبَالِغَةَ الْعَاقِلَةَ إذَا كَفَّتْ نَفْسَهَا عَنْ الْخُرُوجِ وَغَيْرِهِ مَعَ فُرُوغِ النَّفْسِ لِذَلِكَ احْتِسَابًا لِلَّهِ وَقَصْدًا لِطَاعَتِهِ وَقَعَ ذَلِكَ عِبَادَةً لِلَّهِ تَعَالَى لَا أَنَّهُ يَجِبُ إيقَاعُهُ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا.

(قَوْلُهُ وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ وَتَحْتَسِبُ بِمَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ فِيهَا)

<<  <  ج: ص:  >  >>