صَغِيرَةٍ) لِأَنَّ الْخِطَابَ مَوْضُوعٌ عَنْهَا (وَعَلَى الْأَمَةِ الْإِحْدَادُ) لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ.
فَيَعُمُّ النِّسَاءَ كَالْعِدَّةِ.
قُلْنَا: يَجِبُ الْحِدَادُ عِنْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ، وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَهَا الزَّوْجُ بِتَرْكِهِ لَا يَجُوزُ لَهَا تَرْكُهُ فَلَا يُخَاطَبُ هَؤُلَاءِ بِهِ، وَلِذَا شَرَطَ الْإِيمَانَ فِيهِ حَيْثُ قَالَ ﷺ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» الْحَدِيثَ. قَوْلُهُمْ كَمَا تَعُمُّ الْعِدَّةُ عَلَيْهِنَّ. قُلْنَا: الْعِدَّةُ قَدْ تُقَالُ عَلَى كَفِّ النَّفْسِ عَنْ الْحُرُمَاتِ الْخَاصَّةِ وَعَلَى نَفْسِ الْحُرُمَاتِ وَعَلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ بِتَحْقِيقِهِ، وَالْعِدَّةُ اللَّازِمَةُ لَهُنَّ بِكُلٍّ مِنْ الْمَفْهُومَيْنِ الْآخَرَيْنِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ عِنْدَ الْبَيْنُونَةِ بِالْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ يَثْبُتُ شَرْعًا عَدَمُ صِحَّةِ نِكَاحِهِنَّ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَإِذَا بَاشَرَهُ وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ قَبْلَهَا لَا يَصِحُّ شَرْعًا، وَلَا خِطَابَ لِلْعِبَادِ فِيهِ تَكْلِيفِيٌّ بَلْ هُوَ مِنْ رَبْطِ الْمُسَبَّبَاتِ بِالْأَسْبَابِ، بِخِلَافِ مَنْعِهَا عَنْ اللُّبْسِ وَالطِّيبِ فَإِنَّهُ فِعْلُهَا الْحِسِّيِّ مَحْكُومٌ بِحُرْمَتِهِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى خِطَابِ التَّكْلِيفِ، فَلَوْ اكْتَحَلْنَ أَوْ لَبِسْنَ الْمُزَعْفَرَ أَوْ اخْتَضَبْنَ لَا يَأْثَمْنَ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ بِهِ. نَعَمْ قَدْ ثَبَتَ عَلَى الْكَافِرَةِ فِي الْعِدَّةِ خِطَابُ عَدَمِ التَّزَوُّجِ لِحَقِّ الزَّوْجِ، فَإِنَّ فِي الْعِدَّةِ بِهَذَا الْمَعْنَى جِهَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَمَةِ الْحِدَادُ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ مَنْكُوحَةً فِي الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُسْتَسْعَاةُ لِثُبُوتِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِحُقُوقِهِ تَعَالَى فِيمَا لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى، وَلَيْسَ فِي الْإِحْدَادِ فَوَاتُ حَقِّهِ فِي الِاسْتِخْدَامِ، بِخِلَافِ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ فَإِنَّهُ لَوْ لَزِمَهَا فِي الْعِدَّةِ ثَبَتَ ذَلِكَ، فَقُلْنَا: لَا تُمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ فِي عِدَّتِهَا كَيْ لَا يَفُوتَ حَقُّهُ فِي اسْتِخْدَامِهَا، وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ بِإِذْنِهِ لِفِنَاهُ، قَالَ تَعَالَى ﴿إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ وَجَبَ الْحِدَادُ لِعِلَّةِ فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ لَوَجَبَ بَعْدَ شِرَاءِ الْمَنْكُوحَةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهَا لَمْ تَفُتْ لِقِيَامِ الْحِلِّ وَالْكِفَايَةِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ ثَبَتَ عَلَى وَجْهٍ أَحَطَّ مِنْ الْحِلِّ الثَّابِتِ بِالْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِلَا دَعْوَةٍ فِي الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ، وَلَا أَثَرَ لِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْأَحَطِّيَّةِ فَإِنَّ نِعْمَةَ النِّكَاحِ لَيْسَ فَوَاتُهَا مُؤَثِّرًا بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْخُصُوصِيَّةِ بَلْ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ مَا فِيهَا مِنْ أَنَّهَا سَبَبٌ لِصَوْنِهَا وَكِفَايَةِ مَئُونَتِهَا، وَهَذَا الْقَدْرُ لَمْ يَفُتْ فَلَا مُوجِبَ لِلْحِدَادِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إشْكَالُ أَنَّهُ لَا يَنُوبُ الْأَدْنَى وَهُوَ هَذَا الْحِلُّ عَنْ الْأَعْلَى وَالتَّقَصِّي عَنْهُ بِالْتِزَامِ وُجُوبِ الْحِدَادِ عَلَى الزَّوْجَةِ الْمُشْتَرَاةِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِكَوْنِهَا حَلَالًا حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهَا ظَهَرَ فَإِنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ عَلَيْهَا بَلْ دَلِيلُ نَفْيِهَا أَنَّهُ وُجُوبٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute