قَالَ (وَلَيْسَ فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إحْدَادٌ) لِأَنَّهَا مَا فَاتَهَا نِعْمَةُ النِّكَاحِ لِتُظْهِرَ التَّأَسُّفَ، وَالْإِبَاحَةُ أَصْلٌ.
(وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُخْطَبَ الْمُعْتَدَّةُ وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيضِ فِي الْخِطْبَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ إلَى أَنْ قَالَ ﴿وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا﴾ وَقَالَ ﵊ «السِّرُّ النِّكَاحُ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: التَّعْرِيضُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ﵁ فِي الْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ: إنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ نَجْتَمِعَ.
لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّ لَهَا الزِّينَةَ وَالتَّطَيُّبَ بَعْدَ شِرَائِهَا وَالْوُجُوبُ يَسْتَتْبِعُ الْفَائِدَةَ.
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا أَوْ إعْتَاقِهَا حِدَادٌ) وَكَذَا الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ وَالْمَنْكُوحَةُ فَاسِدًا لِأَنَّهُنَّ مَا فَاتَهُنَّ نِعْمَةُ النِّكَاحِ (وَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ) أَيْ إبَاحَةُ الزِّينَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِالْإِعْتَاقِ يَزُولُ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْكُفْرِ فَهُوَ مَوْضِعُ السُّرُورِ لَا الْأَسَفِ، وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ وَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ ظَاهِرٌ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَوَاتُ عِلَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ لِلْإِحْدَادِ عِلَّةً أُخْرَى وَهُوَ كَوْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ دَوَاعِيَ الرَّغْبَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَقِلُّ وَهَذِهِ مَوْجُودَةٌ هُنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْحِدَادُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ كَوْنَهُمَا مَمْنُوعَتَيْنِ عَنْ النِّكَاحِ حُكْمُ وُجُوبِ الْحِدَادِ لَا عِلَّتُهُ. بَلْ عِلَّتُهُ فَوَاتُ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَهُوَ يَدُورُ مَعَهَا وُجُودًا وَعَدَمًا، كَذَا قِيلَ وَهُوَ بِالضَّعِيفِ جَدِيرٌ. وَفِي النِّهَايَةِ: تِلْكَ حِكْمَةٌ لَا عِلَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ دَوَرَانِ وُجُوبِ الْإِحْدَادِ بِفَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ، وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ لَا الْحِكْمَةِ لِمَا عُرِفَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِبْرَاءِ.
(قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيضِ فِي الْخِطْبَةِ) أَرَادَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، إذْ التَّعْرِيضُ لَا يَجُوزُ فِي الْمُطَلَّقَةِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ مَنْزِلِهَا أَصْلًا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّعْرِيضِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ، وَلِإِفْضَائِهِ إلَى عَدَاوَةِ الْمُطَلِّقِ وَالتَّعْرِيضُ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا يَدُلُّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ قَالَ: ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ﴾ يَقُولُ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ أَوْ وَدِدْت أَنْ يَتَيَسَّرَ لِي امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ، وَقَالَ الْقَاسِمُ يَقُولُ: إنَّك عَلَيَّ كَرِيمَةٌ وَإِنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إلَيْكِ خَيْرًا أَوْ نَحْوَ هَذَا.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ﴿إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا﴾ قَالَ يَقُولُ إنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنَى لَأَرْجُو أَنْ نَجْتَمِعَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِالتَّزَوُّجِ وَالنِّكَاحِ، وَنَحْوَهُ إنَّك لَجَمِيلَةٌ أَوْ صَالِحَةٌ، وَلَا يُصَرِّحُ بِنِكَاحِهَا فَلَا يَقُولُ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَنْكِحَك أَوْ أَتَزَوَّجَك. وَسَبْكُ الْآيَةِ ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ﴾ أَيْ فِيمَا ذَكَرْتُمْ لَهُنَّ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُوهِمَةِ لِإِرَادَةِ نِكَاحِهِنَّ ﴿أَوْ أَكْنَنْتُمْ﴾ أَيْ أَضْمَرْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ فَلَمْ تَنْطِقُوا بِهِ تَعْرِيضًا وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute