للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقِّ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهَا (وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ طَلُقَتْ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ لَدَعْوَاهَا الْحِنْثَ، وَشَهَادَتُهَا حُجَّةٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ، وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِكَوْنِهَا مُؤْتَمَنَةٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي رَدِّ الْأَمَانَةِ.

وَالزَّوْجُ يُنْكِرُهَا وَلَمْ يَكُنْ حَبَلُهَا ظَاهِرًا وَلَا أَقَرَّ هُوَ بِهِ (لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَلَكِنْ يَثْبُتُ النَّسَبُ. وَقَالَا تَطْلُقُ أَيْضًا لِأَنَّ شَهَادَتَهَا حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي ثُبُوتِ وِلَادَتِهَا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَإِذَا كَانَتْ حُجَّةً مَقْبُولَةً فِيهَا تُقْبَلُ فِيمَا يَبْتَنِي عَلَيْهَا وَهُوَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِهِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ قَوْلَهُ وَلِأَنَّهَا لَمَّا قَبِلَتْ فِي الْوِلَادَةِ إلَى آخِرِهِ لَيْسَ وَجْهًا آخَرَ بَلْ هُوَ تَمَامُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَصَارَتْ كَثُبُوتِ الْأُمُومَةِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ فِيمَا إذَا قَالَ: إنْ كَانَ بِأَمَتِي هَذِهِ حَمْلٌ فَهُوَ مِنِّي، فَوَلَدَتْ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَنْكَرَ وِلَادَتَهَا فَشَهِدَتْ بِهَا امْرَأَةٌ، وَكَثُبُوتِ اللِّعَانِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ فِيمَا إذَا جَاءَتْ زَوْجَةٌ بِوَلَدٍ فَقَالَ: لَيْسَ مِنِّي وَلَا أَدْرِي أَوَلَدْتِيهِ أَمْ لَا فَشَهِدَتْ بِالْوِلَادَةِ امْرَأَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ اللِّعَانُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ حُرًّا مَحْدُودًا فَيُحَدُّ لِلْقَذْفِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ وَزَوَالَ مِلْكِهِ الثَّابِتِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ تَامَّةٍ، وَشَهَادَةُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَتْ حُجَّةً كَذَلِكَ إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ وَلَازَمَهُ الْمُخْتَصُّ بِهِ فَقُبِلَتْ فِيهَا وَثَبَتَ النَّسَبُ وَأُمُومَةُ الْوَلَدِ، وَلِأَنَّهُ حُكْمُهُ اللَّازِمُ شَرْعًا، أَمَّا اللِّعَانُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَذْفِ وَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي ضِمْنِ نَفْيِ الْوَلَدِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَأَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَيْسَ حُكْمًا مُخْتَصًّا بِهِ فَلَا يَثْبُتُ عِنْدَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا فَأَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ قُبِلَ فِي الْحُرْمَةِ وَلَا يَثْبُتُ تَمَجُّسُ الذَّابِحِ، وَكَقَوْلِهِ إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ، فَقَالَتْ حِضْت طَلُقَتْ هِيَ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةُ هُمَا حُكْمَانِ مُقْتَرِنَانِ. وَيُمْكِنُ جَعْلَ هَذَا إشْكَالًا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ طَلَاقَهَا هِيَ زَوَالُ مِلْكِهِ وَهُوَ لَيْسَ لَازِمًا شَرْعِيًّا لِحَيْضِهَا بَلْ لَازِمُهُ الشَّرْعِيُّ حُرْمَةُ قُرْبَانِهَا فَقَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِهَا لَازِمُهُ الشَّرْعِيُّ وَلَازِمُهُ الْجَعْلِيُّ الْمُنْفَكُّ وَهُوَ حِنْثُهُ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ طَلُقَتْ بِلَا شَهَادَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ لِدَعْوَاهَا الْحِنْثَ وَشَهَادَتُهَا حُجَّةٌ فِيهِ.

(وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ) لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْحُبْلَى تَلِدُ بَعْدَهُ، وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِي إخْبَارِهَا بِالْوِلَادَةِ حَيْثُ أَقَرَّ بِأَنَّهَا حَامِلٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي رَدِّ الْأَمَانَةِ كَمَا إذَا عُلِّقَ بِحَيْضِهَا فَقَالَتْ: حِضْت، فَإِذَنْ ظَهَرَ الْفَرْقُ الدَّافِعُ لِلْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّ التَّعْلِيقَ إنْ كَانَ بِمَا هُوَ مَعْلُومُ الْوُقُوعِ بَعْدَهُ وَعِلْمُهُ مِنْ جِهَتِهَا كَمَا بِحَيْضِهَا وَبِوِلَادَتِهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِحَبَلِهَا أَوْ بِظُهُورِ حَبَلِهَا كَانَ الْتِزَامًا لِتَصْدِيقِهَا عِنْدَ إخْبَارِهَا بِهِ وَاعْتِرَافًا بِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>