(وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ) عَلَى مَا نَذْكُرُ (وَلَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهَا عَسَتْ تَعْجِزُ عَنْ الْحَضَانَةِ
وَالرَّجُلُ أَقْدَرُ عَلَى الِاكْتِسَابِ فَلِذَا جُعِلَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ لَهُ مَالٌ وَجُعِلَ عِنْدَهَا. وَقَوْلُهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الصِّدِّيقُ إلَخْ يُشِيرُ إلَى مَا فِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ عُمَرَ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَوَلَدَتْ لَهُ عَاصِمًا، ثُمَّ فَارَقَهَا عُمَرُ ﵁ فَرَكِبَ يَوْمًا إلَى قُبَاءَ فَوَجَدَ ابْنَهُ يَلْعَبُ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَأَخَذَ بِعَضُدِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الدَّابَّةِ، فَأَدْرَكَتْهُ جَدَّةُ الْغُلَامِ فَنَازَعَتْهُ إيَّاهُ، فَأَقْبَلَا حَتَّى أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا ابْنِي، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: ابْنِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَمَا رَاجَعَهُ عُمَرُ الْكَلَامَ. وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَزَادَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «لَا تُوَلَّهُ وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا» وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ طَلَّقَ جَمِيلَةَ بِنْتَ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَفْلَحْ فَتَزَوَّجَتْ فَجَاءَ عُمَرُ فَأَخَذَ ابْنَهُ، فَأَدْرَكَتْهُ شُمُوسٌ أُمُّ ابْنَةِ عَاصِمٍ الْأَنْصَارِيَّةُ وَهِيَ أُمُّ جَمِيلَةَ فَأَخَذَتْهُ فَتَرَافَعَا إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: خَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِهَا فَأَخَذَتْهُ. وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ أُمَّ عَاصِمٍ ثُمَّ أَتَى عَلَيْهَا وَفِي حِجْرِهَا عَاصِمٌ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهَا فَتَجَاذَبَاهُ بَيْنَهُمَا حَتَّى بَكَى الْغُلَامُ فَانْطَلَقَا إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ مَسْحُهَا وَحِجْرُهَا وَرِيحُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْك حَتَّى يَشِبَّ الصَّبِيُّ فَيَخْتَارُ لِنَفْسِهِ.
(قَوْلُهُ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ عَلَى مَا نَذْكُرُ) أَيْ فِي بَابِ النَّفَقَةِ، وَهَذَا إنْ كَانَ حَيًّا، فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَعَلَى ذِي الرَّحِمِ الْوَارِثِ عَلَى قَدْرِ الْمَوَارِيثِ (قَوْلُهُ وَلَا تُجْبَرُ) يَعْنِي إذَا طَلَبَتْ الْأُمُّ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ وَإِنْ أَبَتْ لَا تُجْبَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالثَّوْرِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي ثَوْرٍ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ تُجْبَرُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالْهِنْدُوانِيُّ مِنْ مَشَايِخِنَا لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ الْوَلَدِ، قَالَ تَعَالَى ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ وَهُوَ الْوُجُوبُ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ: لَا تُجْبَرُ الشَّرِيفَةُ الَّتِي لَا عَادَةَ لَهَا بِالْإِرْضَاعِ، وَتُجْبَرُ الَّتِي هِيَ مِمَّنْ تُرْضِعُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا أَوْ لَمْ يَأْخُذْ الْوَلَدُ ثَدْيَ غَيْرِهَا أُجْبِرَتْ بِلَا خِلَافٍ. وَيُجْبَرُ الْأَبُ عَلَى أَخْذِ الْوَلَدِ بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْأُمِّ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَصِيَانَتَهُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ وَإِذَا اخْتَلَفَا فَقَدْ تَعَاسَرَا فَكَانَتْ الْآيَةُ لِلنَّدْبِ أَوْ مَحْمُولَةً عَلَى حَالَةِ الِاتِّفَاقِ وَعَدَمِ التَّعَاسُرِ وَلِأَنَّهَا عَسَى أَنْ تَعْجِزَ عَنْهُ، لَكِنَّ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ: لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ تَتْرُكَ وَلَدَهَا عِنْدَ الزَّوْجِ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا حَقُّ الْوَلَدِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أُمِّهِ كَانَ إلَيْهَا مُحْتَاجًا هَذَا لَفْظُهُ، فَأَفَادَ أَنَّ قَوْلَ الْفَقِيهَيْنِ جَوَابُ الرِّوَايَةِ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ﴿فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْإِرْضَاعِ بَلْ فِي الْحَضَانَةِ. قَالَ فِي التُّحْفَةِ: ثُمَّ الْأُمُّ وَإِنْ كَانَتْ أَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ، وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ تُرْضِعُهُ فَتُجْبَرُ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) أَيْ لَمْ تَكُنْ لَهُ أُمٌّ تَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْحَضَانَةِ أَوْ مُتَزَوِّجَةً بِغَيْرِ مُحَرَّمٍ أَوْ مَاتَتْ فَأُمُّ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَإِنْ عَلَتْ. وَعَنْ أَحْمَدَ أُمُّ الْأَبِ أَوْلَى وَإِنْ اسْتَضْعَفَ بِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute