للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلنَّظَرِ قَبْلَ ذَلِكَ وَاحْتِمَالِ الضَّرَرِ بَعْدَهُ (وَلَا خِيَارَ لِلْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُمَا الْخِيَارُ لِأَنَّ النَّبِيَّ خَيَّرَ. وَلَنَا أَنَّهُ لِقُصُورِ عَقْلِهِ يَخْتَارُ مَنْ عِنْدَهُ الدَّعَةُ لِتَخْلِيَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّعِبِ فَلَا يَتَحَقَّقُ النَّظَرُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُخَيِّرُوا، أَمَّا الْحَدِيثُ فَقُلْنَا قَدْ قَالَ «اللَّهُمَّ اهْدِهِ» فَوُفِّقَ لِاخْتِيَارِهِ الْأَنْظَرَ بِدُعَائِهِ ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَالِغًا.

بِالْجَزْمِ عَطْفًا عَلَى يَعْقِلْ، وَتُمْنَعُ أَنْ تُغَذِّيَهُ الْخَمْرَ أَوْ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَإِنْ خِيفَ ضُمَّ إلَى نَاسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَيُرْوَى بِالنَّصْبِ أَيْضًا عَلَى مَعْنَى إلَى أَنْ يُخَافَ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ لَأَلْزَمَنَّكَ أَوْ تَقْضِيَنِي حَقِّي، وَلَكِنَّ هَذَا فِي أَوْ لَا الْوَاوِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ لَا حَضَانَةَ لَهَا، وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ كَقَوْلِنَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَبِي ثَوْرٍ. وَقَوْلُهُ لِلنَّظَرِ قَبْلَ ذَلِكَ دَافِعٌ لِقَوْلِهِمْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَنْظَرَ لِلصَّغِيرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْأُمِّ لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا وَزِيَادَةِ قُدْرَتِهَا عَلَى التَّبَتُّلِ بِمُلَاحَظَتِهِ وَمَصَالِحِهِ وَمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الضَّرَرِ الدِّينِيِّ يَرْتَفِعُ بِمَا ذَكَرْنَا.

(قَوْلُهُ وَلَا خِيَارَ لِلْغُلَامِ) يَعْنِي إذَا بَلَغَ السِّنَّ الَّذِي يَكُونُ الْأَبُ أَحَقَّ بِهِ كَسَبْعٍ مَثَلًا أَخَذَهُ الْأَبُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِ الْغُلَامِ ذَلِكَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُخَيَّرُ الْغُلَامُ فِي سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ يُخَيَّرُ فِي سَبْعٍ، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا وَسَلَّمَ إلَيْهِ ثُمَّ اخْتَارَ الْآخَرُ فَلَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ عَادَ وَاخْتَارَ الْأَوَّلُ أُعِيدَ إلَيْهِ هَكَذَا أَبَدًا. قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ، وَالْمَعْتُوهُ لَا يُخَيَّرُ وَيَكُونُ عِنْدَ الْأُمِّ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ خَيَّرَ) أَخْرَجَ الْأَرْبَعَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ «خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ». قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِيهِ قِصَّةٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ قَبْلَ أَنْ يُرْوَى الْحَدِيثُ حَاصِلُهَا أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا فِي وَاقِعَةٍ رُفِعَتْ إلَيْهِ ثُمَّ رُوِيَ الْحَدِيثُ، وَلَفْظَهُ «سَمِعْتُ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ وَأَنَا قَاعِدٌ عِنْدَهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ وَقَدْ نَفَعَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : اسْتَهِمَا عَلَيْهِ، فَقَالَ زَوْجُهَا: مَنْ يُحَاقُّنِي فِي وَلَدِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ» وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِالْمَعْنَى عَلَى عَدَمِ التَّخْيِيرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَأَجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دَعَا أَنْ يُوَفَّقَ لِاخْتِيَارِ الْأَنْظَرِ عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاقِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْفَرَائِضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>