بِبَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» وَلِهَذَا يَصِيرُ الْحَرْبِيُّ بِهِ ذِمِّيًّا، وَإِنْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ إلَى مِصْرٍ غَيْرِ وَطَنِهَا وَقَدْ كَانَ التَّزَوُّجُ فِيهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، وَهَذَا رِوَايَةُ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَتَى وُجِدَ فِي مَكَان يُوجِبُ أَحْكَامَهُ فِيهِ كَمَا يُوجِبُ الْبَيْعُ التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِهِ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ حَقُّ إمْسَاكِ الْأَوْلَادِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّزَوُّجَ فِي دَارِ الْغُرْبَةِ لَيْسَ
فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئَابٍ، أَنَّ عُثْمَانَ ﵁ صَلَّى بِمِنًى أَرْبَعًا ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا يُصَلِّي صَلَاةَ الْمُقِيمِ» وَإِنِّي تَأَهَّلْت مُنْذُ قَدِمْت مَكَّةَ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى كَذَلِكَ وَلَفْظُهُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِبَلَدٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ» وَإِنَّمَا أَتْمَمْت لِأَنِّي تَزَوَّجْت بِهَا مُنْذُ قَدِمْتهَا. وَقَدْ ضُعِّفَ عِكْرِمَةُ الْأَزْدِيُّ.
(وَلِهَذَا يَصِيرُ الْحَرْبِيُّ بِهِ ذِمِّيًّا) ظَاهِرُهُ أَنَّ بِالتَّزَوُّجِ يَصِيرُ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيًّا وَدَفَعَ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُصَرَّحِ بِهِ بَلْ لَا يَصِيرُ الْحَرْبِيُّ بِالتَّزَوُّجِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْتِزَامَ الْمَقَامِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَوْدِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْحَرْبِيَّةِ إذَا تَزَوَّجَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَصِيرُ ذِمِّيَّةً لِعَدَمِ كَوْنِ الطَّلَاقِ فِي يَدِهَا فَيَكُونُ الْتِزَامًا وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِحَمْلِ الْحَرْبِيِّ عَلَى إرَادَةِ الشَّخْصِ الْحَرْبِيِّ فَيَصِحُّ مُرَادًا بِهِ الْحَرْبِيَّةُ وَبِتَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ الْتِزَامَ الْمَقَامِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ لَوْ سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ. وَفِي النِّهَايَةِ: وَجَدْت بِخَطِّ شَيْخِي لَيْسَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي قُوبِلَتْ مَعَ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَلْ اتَّصَلَ قَوْلُهُ وَإِنْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ بِقَوْلِهِ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَمَا ذَكَرَ هُنَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقَعَ سَهْوًا انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى تَكَلُّفِ تَوْجِيهِهِ بِمَا قُلْنَا وَبِغَيْرِهِ، وَتَحْمِيلُ الْمُصَنِّفِ إيَّاهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ إنْ كَانَ التَّزَوُّجُ فَهُوَ تَزَوُّجُ الرَّجُلِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِيضَاحُ بِتَزَوُّجِ الْمَرْأَةِ الْحَرْبِيَّةِ عَلَى صَيْرُورَتِهِ مِنْ أَهْلِهَا، وَالْحَالُ أَنَّ صَيْرُورَتَهَا كَذَلِكَ لِأَمْرٍ يَخُصُّهَا لَا يُوجَدُ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ الْتِزَامَ الْمَقَامِ فَلَيْسَ السَّوْقُ لِإِثْبَاتِهِ.
(قَوْلُهُ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ) أَيْ الْقُدُورِيُّ وَقِيلَ الْمَبْسُوطُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُعْتَادُ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يُسْتَفَادُ الثَّانِي لِعَدَمِ الْمَعْهُودِيَّةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ تَخْرُجَ بِهَا إلَى وَطَنِهَا يُفِيدُ أَنَّ غَيْرَهُ دَاخِلٌ فِي الْحَظْرِ، وَاَلَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّزَوُّجُ غَيْرُ وَطَنِهَا. وَقَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الطَّلَاقِ: أَيْ مِنْ الْأَصْلِ، وَفِي الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَتْ الِانْتِقَالَ إلَى مِصْرِهَا وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ الْعَقْدُ لَمْ يَكُنْ لَهَا الِانْتِقَالُ بِهِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ.
(قَوْلُهُ كَمَا يُوجِبُ الْبَيْعُ التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِهِ) أَيْ إذَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute