للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ تَجِبُ نَفَقَةُ الْيَسَارِ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَنَفَقَةُ الْإِعْسَارِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً وَالزَّوْجُ مُوسِرًا فَنَفَقَتُهَا دُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ وَفَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ وَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ «خُذِي مِنْ مَالِ زَوْجِكِ مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» اعْتَبَرَ حَالَهَا

حَقُّهَا.

(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ الْخَصَّافِ وَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَقَالَ بِهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَنَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ. وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْيَسَارِ فِي يَسَارِهِمَا وَالْإِعْسَارِ فِي إعْسَارِهِمَا، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْخِلَافُ فِي الِاخْتِلَافِ كَمَا إذَا كَانَتْ مُوسِرَةً وَهُوَ مُعْسِرٌ فَعَلَى مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ يَجِبُ فِي الْأَوَّلِ نَفَقَةٌ فَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَةِ وَدُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَةِ وَكَذَا فِي عَكْسِهِ، وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ فِي الْأَوَّلِ نَفَقَةُ الْإِعْسَارِ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً لَمَا تَزَوَّجَتْ مُعْسِرًا فَقَدْ رَضِيَتْ بِنَفَقَةِ الْمُعْسِرِينَ، وَفِي الثَّانِي نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْ تَمَامَ الْأَقْسَامِ الَّتِي بِهَا يَتِمُّ تَفْسِيرُ قَوْلِ الْخَصَّافِ، بَلْ تَرَكَ مَا إذَا كَانَتْ مُوسِرَةً وَالزَّوْجُ مُعْسِرٌ وَكَأَنَّهُ لِاتِّحَادِ جَوَابِهِ بِجَوَابِ مَا ذَكَرَهُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ مُعْسِرَةً وَهُوَ مُوسِرٌ.

وَكَانَ الْأَوْلَى حِينَئِذٍ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا وَاقْتَصَرَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِمَذْهَبِ الْخَصَّافِ عَلَى حَدِيثِ هِنْدٍ وَقَالَ فِيهِ اُعْتُبِرَ حَالُهَا وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَصْلُحُ رَدًّا لِاعْتِبَارِ حَالِهِ فَقَطْ: يَعْنِي إذَا ثَبَتَ اعْتِبَارُ حَالِهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَطَلَ قَوْلُكُمْ يَعْتَبِرُ فَقَطْ. ثُمَّ اعْتِبَارُ حَالِهِ ثَابِتٌ لَا بُدَّ مِنْهُ بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ الْقَائِلُ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ وَالْقَائِلُ بِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا. وَيُورِدُ عَلَيْهِ أَنَّ حَدِيثَ هِنْدٍ خَبَرٌ وَاحِدٌ وقَوْله تَعَالَى ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ مُطْلَقٌ فِي اعْتِبَارِ ثُبُوتِ حَالِ الْمُوسِرِ مُعْسِرَةً كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ لَا وَالْمُعْسِرَةُ مُعْسِرَةً كَانَتْ أَوْ لَا، فَاعْتِبَارُ حَالِهِمَا زِيَادَةٌ مُوجِبَةٌ لِتَغْيِيرِ حُكْمِ النَّصِّ، إذْ تُوجَبُ الزِّيَادَةُ فِي مَوْضِعٍ يَقْتَضِي النَّصُّ فِيهِ عَدَمَهَا، وَعَدَمُهَا فِي مَوْضِعٍ يَقْتَضِي فِيهِ وُجُودَهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.

وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ دَفْعَ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا النَّصُّ فَنَقُولُ بِمُوجَبِهِ: إنَّهُ مُخَاطَبٌ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَالْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُفَادَ بِالنَّصِّ اعْتِبَارُ حَالِهِ فِي الْإِنْفَاقِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْمُعْسِرَ لَا يُنْفِقُ فَوْقَ وُسْعِهِ وَهُوَ لَا يَنْفِي اعْتِبَارَ حَالِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>