وَكَذَا إذَا حَجَّتْ مَعَ مَحْرَمٍ لِأَنَّ فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ لِأَنَّ إقَامَةَ الْفَرْضِ عُذْرٌ، وَلَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُسْتَحِقَّةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ سَافَرَ مَعَهَا الزَّوْجُ تَجِبُ النَّفَقَةُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ لِقِيَامِهِ عَلَيْهَا وَتَجِبُ نَفَقَةُ الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ، وَلَا يَجِبُ الْكِرَاءُ لِمَا قُلْنَا (فَإِنْ مَرِضَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ فَلَهَا النَّفَقَةُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا كَانَ مَرَضًا يَمْنَعُ مِنْ الْجِمَاعِ لِفَوْتِ الِاحْتِبَاسِ لِلِاسْتِمْتَاعِ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهَا وَيَمَسُّهَا وَتَحْفَظُ الْبَيْتَ، وَالْمَانِعُ بِعَارِضٍ فَأَشْبَهَ الْحَيْضَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ مَرِضَتْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ، وَلَوْ مَرِضَتْ ثُمَّ سَلَّمَتْ لَا تَجِبُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يَصِحَّ قَالُوا هَذَا حَسَنٌ. وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ.
فِيهِ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) أَيْ لَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا حَجَّتْ مَعَ مَحْرَمٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّتْ مَعَ الزَّوْجِ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةُ اتِّفَاقًا.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ إقَامَةَ الْفَرْضِ عُذْرٌ) قُلْنَا نَعَمْ، وَلَكِنَّهُ مِنْ جِهَتِهَا وَالِاحْتِبَاسُ الْفَائِتُ إنَّمَا يُجْعَلُ بَاقِيًا تَقْدِيرًا إذَا كَانَ الْفَوَاتُ مِنْ جِهَتِهِ، ثُمَّ إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَالْوَاجِبُ نَفَقَةُ الْحَضَرِ بِأَنْ يَعْتَبِرَ مَا كَانَ قِيمَةَ الطَّعَامِ فِي الْحَضَرِ فَيَجِبُ دُونَ نَفَقَةِ السَّفَرِ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِحَقِّهَا بِإِزَاءِ مَنْفَعَةٍ تَحْصُلُ لَهَا فَلَا تَكُونُ عَلَى الزَّوْجِ كَالْمَرِيضَةِ الَّتِي لَا تَسْتَحِقُّ الْمُدَاوَاةَ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّ نَفَقَةَ الْحَضَرِ هِيَ الْمُسْتَحَقَّةُ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ.
(قَوْلُهُ وَيَمَسُّهَا) أَيْ وَيَمَسُّهَا اسْتِمْتَاعًا وَيَدْخُلُ فِي مَسِّهَا كَذَلِكَ الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَالْقُبْلَةِ وَغَيْرِهِمَا فَكَانَ الِاحْتِبَاسُ الْمُوجِبُ قَائِمًا، وَكَذَلِكَ الرَّتْقَاءُ وَالْقَرْنَاءُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِحُصُولِ الِانْتِفَاعِ بِالدَّوَاعِي وَالِاسْتِئْنَاسِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ قَالُوا هَذَا حَسَنٌ. وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ) وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ مَرِضَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا صَحِيحَةً ثُمَّ طَرَأَ الْمَرَضُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ إشَارَةَ الْكِتَابِ هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مُخْتَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ، بَلْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ تَعْلِيقُهَا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ مَا لَمْ يَقَعْ نُشُوزٌ فَالْمُسْتَحْسِنُونَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ هُمْ الْمُخْتَارُونَ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهَذِهِ فَرْعِيَّتُهَا، وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِتَحَقُّقِ الِاحْتِبَاسِ لِاسْتِيفَاءِ مَا هُوَ مِنْ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ مِنْ الِاسْتِئْنَاسِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِالدَّوَاعِي وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: نَفَقَةُ الْمَرْأَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ مَرِضَتْ أَوْ جُنَّتْ أَوْ أَصَابَهَا بَلَاءٌ يَمْنَعُ عَنْ الْجِمَاعِ أَوْ كَبِرَ حَتَّى لَا يُسْتَطَاعَ جِمَاعُهَا. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: إذَا كَبِرَتْ وَلَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ أَوْ بِهَا رَتْقٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ قَرْنٌ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: قَالُوا إذَا مَرِضَتْ مَرَضًا لَا يُمَكِّنُ الِانْتِفَاعَ بِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ وَإِنْ كَانَ مَرَضًا يُمَكِّنُ الِانْتِفَاعَ بِهَا بِنَوْعِ انْتِفَاعٍ لَا تَسْقُطُ وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِلْأَوَّلِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ كَانَتْ مَرِيضَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute