للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّفْرِيقِ كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النَّفَقَةِ أَقْوَى.

يُؤَدِّيَ الزَّوْجُ ثَمَنَهُ. وَقَالَ الْخَصَّافُ: الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ لِيَقْضِيَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ، وَبِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ كَقَوْلِنَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ الْعَجْزُ عَنْ الْكِسْوَةِ وَالْعَجْزُ عَنْ الْمَسْكَنِ، وَهَذَا التَّفْرِيقُ فَسْخٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ طَلَاقٌ عِنْدَ مَالِكٍ. وَلَوْ امْتَنَعَ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مَعَ الْيُسْرِ لَمْ يُفَرَّقْ، وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَالَهُ وَيَصْرِفُهُ فِي نَفَقَتِهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَالَهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَلَا يَفْسَخُ، وَعَنْ هَذَا مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظُهُورَ الْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا، أَمَّا إذَا غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَلَمْ يَخْلُفْ لَهَا نَفَقَةً فَرَفَعَتْ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَكَتَبَ الْقَاضِي إلَى عَالِمٍ يَرَى التَّفْرِيقَ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا هَلْ تَقَعُ الْفُرْقَةُ؟ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ السُّغْدِيُّ: نَعَمْ إذَا تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ النَّفَقَةِ. قَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ: فِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَا يُعْرَفُ حَالَةَ الْغَيْبَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فَيَكُونُ هَذَا تَرْكَ الْإِنْفَاقِ لَا الْعَجْزَ عَنْهُ، فَإِنْ رَفَعَ هَذَا الْقَضَاءَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَمْضَاهُ جَازَ قَضَاؤُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ لَيْسَ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَجْزَ لَمْ يَثْبُتْ ذِكْرُهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ فُصُولِ الْإِمَامِ الْأُسْرُوشَنِيِّ فَتَكُونُ الشُّهُودُ عَلِمَتْ مَجَازَهُ مُجَازَفَتَهُمْ فَلَا يَقْضِي بِهَا كَمَا ذَكَرَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَسْخَ إذَا غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً يُمْكِنُ بِغَيْرِ طَرِيقِ إثْبَاتِ عَجْزِهِ بِمَعْنَى فَقْرِهِ لِيَجِيءَ مَا قَالَ وَهُوَ أَنْ تَتَعَذَّرَ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: إذَا تَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا بِغَيْبَتِهِ ثَبَتَ لَهَا الْفَسْخُ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَهُوَ وَجْهٌ جَيِّدٌ فَلَا يَلْزَمُ مَجِيءُ مَا قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَجَزَ إلَخْ) اسْتَدَلُّوا بِالْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ، أَمَّا الْمَنْقُولُ فَمَا فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ «وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، فَقِيلَ مَنْ أَعُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: امْرَأَتُكَ تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَارِقْنِي، خَادِمُكَ يَقُولُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَلَدُكَ يَقُولُ أَطْعِمْنِي إلَى مَنْ تَتْرُكُنِي» هَكَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ النَّسَائِيّ وَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَعِيدٌ وَمُحَمَّدٌ ثِقَتَانِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فُرُوخٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ «الْمَرْأَةُ تَقُولُ لِزَوْجِهَا أَطْعِمْنِي أَوْ طَلِّقْنِي» الْحَدِيثَ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمَاكُ وَعَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَزَّانُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبَارُودِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ مِثْلُهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت سُنَّةٌ؟ قَالَ سُنَّةٌ. وَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّتِهِ وَغَايَتِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِهَا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ بِالْمُرْسَلِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَالْقِيَاسُ عَلَى الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّ الْبَدَنَ يَبْقَى بِلَا وَطْءٍ وَلَا يَبْقَى بِلَا قُوتٍ، وَأَيْضًا مَنْفَعَةُ الْجِمَاعِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا؛ فَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>