للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُفْرَضُ لِخَادِمَيْنِ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى أَحَدِهِمَا لِمَصَالِحِ الدَّاخِلِ وَإِلَى الْآخَرِ لِمَصَالِحِ الْخَارِجِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ بِالْأَمْرَيْنِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى اثْنَيْنِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَوَلَّى كِفَايَتَهَا بِنَفْسِهِ كَانَ كَافِيًا، فَكَذَا إذَا أَقَامَ الْوَاحِدُ مَقَامَ نَفْسِهِ، وَقَالُوا: إنَّ الزَّوْجَ الْمُوسِرَ يَلْزَمُهُ مِنْ نَفَقَةِ الْخَادِمِ مَا يَلْزَمُ الْمُعْسِرُ مِنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ وَهُوَ أَدْنَى الْكِفَايَةِ. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ إذَا كَانَ مُوسِرًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ عِنْدَ إعْسَارِهِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُعْسِرِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ وَهِيَ قَدْ تَكْتَفِي بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا.

(وَمَنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ امْرَأَتِهِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَيُقَالُ لَهَا اسْتَدِينِي عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُفَرَّقُ،

كَانَتْ مِمَّنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا وَتَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِمَنْ يَفْعَلُهُ. وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ السَّرَخْسِيُّ: لَا تُجْبَرُ، وَلَكِنْ إذَا لَمْ تَطْبُخْ لَا يُعْطِيهَا الْإِدَامَ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالُوا: إنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً، وَلَا يُجْبِرُهَا الْقَاضِي عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ أَيْضًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِخَادِمَيْنِ) وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، وَوَجْهُ الدَّفْعِ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ.

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَوَلَّى) أَيْ الزَّوْجُ كِفَايَتَهَا بِنَفْسِهِ خِدْمَةً كَانَ كَافِيًا قَدْ يُمْنَعُ هَذَا عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَقْضِيَةِ لَوْ قَالَ الزَّوْجُ أَنَا أَخْدُمُهَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يُقْبَلُ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: إذَا كَانَتْ فَائِقَةً فِي الْغِنَى زُفَّتْ إلَيْهِ مَعَ خَدَمٍ كَثِيرٍ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْكُلِّ عَلَيْهِ، وَهِيَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَاخْتَارَهَا الطَّحَاوِيُّ.

(قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مُحَمَّدٌ ) وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهَا خَادِمٌ يُفْرَضُ لَهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَكْتَفِ بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا فَيُفْرَضُ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهَا بِحَيْثُ تَكْتَفِي بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا الْخَادِمُ لِزِيَادَةِ التَّنَعُّمِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا حَالَةُ الْيَسَارِ لِأَنَّ الْمُعْسِرَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ أَدْنَى الْكِفَايَةِ فَقَطْ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ لُزُومِ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا، وَأَنَّهُ عِنْدَ إعْسَارِهِ دُونَهَا يُنْفِقُ بِقَدْرِ حَالِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ عَلَيْهِ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ تَجِبُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ خَادِمٌ لَا تَجِبُ لَهَا نَفَقَتُهُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا لِدَفْعِ حَاجَتِهَا وَحَاجَتُهَا إلَى نَفَقَةِ الْخَادِمِ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَصَارَ كَالْقَاضِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ لَا يَسْتَحِقُّ كِفَايَةَ الْخَادِمِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَالْغَازِي إذَا شَهِدَ الْوَقْعَةَ بِلَا فَرَسٍ وَأَغْنَى غِنَاءَ الْفَارِسِ لَا يُسْهِمُ لَهُ سَهْمَ الْفَرَسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَوْلَادٌ لَا يَكْفِيهِمْ خَادِمٌ وَاحِدٌ فَرَضَ عَلَيْهِ لِخَادِمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ اتِّفَاقًا. وَفِي التَّجْنِيسِ: امْرَأَةٌ لَهَا مَمَالِيكُ قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَنْفِقْ عَلَيْهِمْ مِنْ مَهْرِي فَأَنْفَقَ فَقَالَتْ: لَا أَجْعَلُهَا مِنْ الْمَهْرِ لِأَنَّك اسْتَخْدَمْتهمْ، فَمَا أَنْفَقَ بِالْمَعْرُوفِ مَحْسُوبٌ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ بِأَمْرِهَا.

(قَوْلُهُ وَمَنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ امْرَأَتِهِ إلَخْ) بِقَوْلِنَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَابْنُ يَسَارٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالظَّاهِرِيَّةُ؛ وَمَعْنَى الِاسْتِدَانَةِ أَنْ تَشْتَرِيَ الطَّعَامَ عَلَى أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>