فَإِنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ فِيهِ لِأَنَّ الْمُودِعَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ الزَّوْجِيَّةِ عَلَيْهِ وَلَا الْمَرْأَةُ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ حُقُوقِ الْغَائِبِ،
لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى إثْبَاتِ حَقِّ الْأَخْذِ لَهَا مِمَّا فِي يَدِهِ أَوْ عَلَيْهِ إذَا كَانَ دَيْنًا إلَّا اعْتِرَافُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ فِيهِ بِالْبَيِّنَةِ كَمَا يَثْبُتُ بِالِاعْتِرَافِ، وَلَا سِيَّمَا مُرَكَّبٌ مِنْ لَا النَّافِيَةِ لِلْجِنْسِ وَمَنْفِيِّهَا وَهُوَ سِيَّ وَمَعْنَاهُ الْمَثَلُ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
فَإِيَّاكُمْ وَحَيَّةَ بَطْنِ وَادِ … هَمُوسُ النَّابِ لَيْسَ لَكُمْ بِسِيِّ
أَيْ بِمِثْلٍ وَلَا شَبِيهٍ، وَهُوَ وَاحِدُ سِيَّانِ مِنْ قَوْلِك هُمَا سِيَّانِ، وَأَصْلُهُ سِوَى قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِسُكُونِهَا بَعْدَ كَسْرَةٍ أَوْ لِاجْتِمَاعِهَا مَعَ الْيَاءِ وَسَبْقِ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ، فَإِنْ جَرَرْت مَا بَعْدَ مَا كَزَيْدٍ مَثَلًا فِي قَوْلِك أَكْرَمَنِي الْقَوْمُ لَا سِيَّمَا زَيْدٍ فَهُوَ عَلَى أَنَّ سِيًّا مُضَافٌ إلَى زَيْدٍ وَمَا زَائِدٌ مُقْحَمٌ كَقَوْلِهِ:
كُلُّ مَا حَيٍّ وَإِنْ أَمَرُوا … وَارِدُو الْحَوْضِ الَّذِي وَرَدُوا
وَإِنْ رَفَعْته فَعَلَى أَنَّ سِيًّا يُضَافُ إلَى مَا وَهُوَ مَوْصُولٌ اسْمِيٌّ حُذِفَ صَدْرُ صِلَتِهِ، وَالتَّقْدِيرُ لَا مِثْلَ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ، وَجَازَ كَوْنُهُ مُضَافًا مَعَ أَنَّ اسْمَ لَا يَجِبُ كَوْنُهُ نَكِرَةً لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مِثْلِ، وَمِثْلُ لَا يَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ وَخَبَرُ لَا مَحْذُوفٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَفِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ خُرُوجٌ عَنْ الْأَصْلِ فِي الْجَرِّ، بِالزِّيَادَةِ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ، وَفِي الرَّفْعِ بِحَذْفِ صَدْرِ صِلَةِ الْمَوْصُولِ، وَهُوَ إنَّمَا يُقَاسُ إذَا طَالَتْ الصِّلَةُ. وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُونَ الْجَرَّ عَلَى الرَّفْعِ لِأَنَّ زِيَادَةَ مَا أَوْسَعُ مِنْ حَذْفِ الْمُبْتَدَأ مَعَ مَا يَنْضَمُّ إلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ الْمَوْقِعِ، وَقَدْ يُقَالُ زِيَادَةُ مَا فِي نَفْسِهِ كَثِيرٌ وَلَكِنْ بَيْنَ الْمُتَضَايِفَيْنِ مَمْنُوعٌ فَتَكَافَآ، وَأَمَّا نَصْبُ مَا بَعْدَ مَا فَقَالَ ابْنُ الدَّهَّانِ صَاحِبُ الْغُرَّةِ: لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا، وَعَنْ هَذَا لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ مُعْطٍ فِي فُصُولِهِ فِي الْمُسْتَثْنَى بِلَا سِيَّمَا سِوَى الْجَرِّ وَالرَّفْعِ، وَذَكَرَ بَيْتَ امْرِئِ الْقِيسِ:
أَلَا رُبَّ يَوْمٍ لَك مِنْهُنَّ صَالِحٌ … وَلَا سِيَّمَا يَوْمٍ بِدَارَةِ جُلْجُلِ
بِالْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ النَّصْبَ، لَكِنْ قَدْ رُوِيَ النَّصْبُ فِيهِ أَيْضًا فَقِيلَ عَلَى الظَّرْفِ، وَقِيلَ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْمَفْعُولِ، وَقِيلَ مَجْمُوعُ لَا سِيَّمَا بِمَنْزِلَةِ إلَّا، وَمَعْنَى الْإِخْرَاجِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ إلَّا فِيهَا هُوَ الْإِخْرَاجُ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِإِثْبَاتِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ، فَإِذَا قُلْت أَكْرَمَنِي الْقَوْمُ لَا سِيَّمَا زَيْدٍ فَقَدْ: أَثْبَتَ لَهُ أَبْلَغَ مِنْ إكْرَامِهِمْ وَقَدْ جَاءَ تَخْفِيفُهَا بِحَذْفِ إحْدَى الْيَاءَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute