لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا (وَإِنْ) (انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَاسْتَأْجَرَهَا) يَعْنِي لِإِرْضَاعِ وَلَدِهَا (جَازَ) لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ بِالْكُلِّيَّةِ وَصَارَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ (فَإِنْ قَالَ الْأَبُ لَا أَسْتَأْجِرُهَا وَجَاءَ بِغَيْرِهَا فَرَضِيَتْ الْأُمُّ بِمِثْلِ أَجْرٍ الْأَجْنَبِيَّةِ أَوْ رَضِيَتْ بِغَيْرِ أَجْرٍ) كَانَتْ هِيَ أَحَقَّ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ فَكَانَ نَظَرًا لِلصَّبِيِّ فِي الدَّفْعِ إلَيْهَا (وَإِنْ الْتَمَسَتْ زِيَادَةً لَمْ يُجْبَرْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا) دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ أَيْ بِإِلْزَامِهِ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ.
(وَنَفَقَةُ الصَّغِيرِ وَاجِبَةٌ عَلَى أَبِيهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي دِينِهِ، كَمَا تَجِبُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ خَالَفَتْهُ فِي دِينِهِ) أَمَّا الْوَلَدُ فَلِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا، وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ فَإِنَّهُ بِإِزَاءِ الِاحْتِبَاسِ الثَّابِتِ بِهِ، وَقَدْ صَحَّ الْعَقْدُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرَةِ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الِاحْتِبَاسُ فَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ.
شَهَادَتُهُ لِمُعْتَدَّتِهِ عَنْ ثَلَاثٍ أَوْ بَائِنٍ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا لِلْإِرْضَاعِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَاسْتَأْجَرَهَا) اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الضَّرَرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا﴾ وَالضَّرَرُ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ إرْضَاعِهِ إذَا أَلْزَمَتْ وَالْعَجْزُ مُبْطِنٌ فَأُقِيمَ امْتِنَاعُهَا عَنْهُ مَقَامَ حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ امْتِنَاعَهَا عَنْ الْإِرْضَاعِ مَعَ دَاعِيَةِ حُنُوِّ الْوَالِدَةِ ظَاهِرٌ فِي عَجْزِهَا عَنْهُ، فَلِذَا لَمْ تُجْبَرْ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَتْ، فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ بِالْأَجْرِ وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ أَوْ مُعْتَدَّةٌ عَنْ رَجْعِيٍّ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى مَا هُوَ الْأَوْجَهُ ظَهَرَ عَدَمُ عَجْزِهَا فَظَهَرَ الْوُجُوبُ عَلَيْهَا وَلَا أَجْرَ يُسْتَحَقُّ فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِ الْوَاجِبِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِإِرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجُوزَ بَعْدَ الْعِدَّةِ أَيْضًا كَمَا قَبْلَهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَالِدَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ﴾ أَعَمُّ مِنْ الْبَائِنَاتِ فَكَانَ الْإِيجَابُ عَامًّا عَلَى الْمَنْكُوحَاتِ وَالرَّجْعِيَّاتِ وَالْبَوَائِنِ قَبْلَ الْعِدَّةِ وَفِيهَا وَبَعْدَهَا، وَالْمَانِعُ مِنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute