للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصِّغَرِ وَالْأُنُوثَةِ وَالزَّمَانَةِ وَالْعَمَى أَمَارَةُ الْحَاجَةِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ، فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ غَنِيٌّ بِكَسْبِهِ. بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمَا تَعَبُ الْكَسْبِ وَالْوَلَدُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتَجِبُ نَفَقَتُهُمَا مَعَ قُدْرَتِهِمَا عَلَى الْكَسْبِ. قَالَ (وَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى مِقْدَارِ الْمِيرَاثِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ)

لَا يَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ، ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ مِنْ الْإِشَارَةِ الْمَقْرُونَةِ بِالْكَافِ فَإِنَّهَا بِحَسَبِ الْوَضْعِ لِلْبَعِيدِ دُونَ الْقَرِيبِ.

وَجْهُ قَوْلِ أَحْمَدَ أَنَّهُ تَعَالَى عَلَّقَهَا بِالْوَارِثِ فَقَيْدُ الْمَحْرَمِيَّةِ زِيَادَةٌ. قُلْنَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ " وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ " فَيَكُونُ بَيَانًا لِلْقِرَاءَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ. فَإِنْ قِيلَ: الْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ بِمَنْزِلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْقَاطِعِ بِهِ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ.

أُجِيبَ بِادِّعَاءِ شُهْرَتِهَا، وَاسْتَدَلَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِمَا فِي النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ «طَارِقٍ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ» وَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ «عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ أُمَّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أُمَّك، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أَبَاكَ، ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذَوِي قَرَابَتِكَ» فَهَذِهِ تُفِيدُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ بِلَا تَقْيِيدٍ بِالْإِرْثِ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الثَّانِيَ لَا يُفِيدُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ أَصْلًا لِأَنَّهُ جَوَابُ قَوْلِ السَّائِلِ مَنْ أَبَرُّ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ سُؤَالًا عَنْ الْبِرِّ الْمَفْرُوضِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ سُؤَالًا عَنْ الْأَفْضَلِ مِنْهُ فَيَكُونُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ هَذَا مُعَارِضًا لِلنَّصِّ لِأَنَّ الْإِيجَابَ عَلَى الْوَارِثِ بِالنَّصِّ لَا يَنْفِي أَنْ يَجِبَ عَلَى غَيْرِهِ فَيَثْبُتُ عَلَى غَيْرِهِ بِالْحَدِيثِ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ. عَلَى أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يُلْزِمَهُمْ أَنَّ الْوَارِثَ أُرِيدَ بِهِ الْقَرِيبَ عِنْدَ مَنْ عَبَّرَ بِهِ عَنْهُ خُصُوصًا عَلَى رَأْيِكُمْ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ قَرِيبٍ وَارِثٍ لِتَوْرِيثِكُمْ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَعَ قَوْلِكُمْ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ فِي الْجُمْلَةِ، حَتَّى قَالُوا: إذَا كَانَ لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى خَالِهِ وَمِيرَاثَهُ لِابْنِ عَمِّهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ قَوْلُنَا: نَقْطَعُ بِأَنَّ إيجَابَ النَّفَقَةِ لِوُجُوبِ الْوَصْلِ وَالْقَرَابَةِ الَّتِي يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا بِالنُّصُوصِ هِيَ عَلَى الْمَحْرَمِيَّةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا لَا يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَصْلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ سَبَبُ التَّحْرِيمِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ الْقَرَائِبِ لِأَنَّ الِافْتِرَاشَ إمَّا عَدَمُ وَصْلٍ أَوْ يُؤَدِّي إلَيْهِ.

(قَوْلُهُ فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ غَنِيٌّ بِكَسْبِهِ) وَقُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ تَتَحَقَّقُ بِصِحَّةِ الْبَدَنِ بَعْدَ كَوْنِهِ بَالِغًا. وَلِهَذَا أَخَذَ فِي الْبَالِغِ الَّذِي تَجِبُ نَفَقَتُهُ مِنْ غَيْرِ الْوِلَادِ الزَّمَانَةَ حَيْثُ قَالُوا: وَالِابْنُ الزَّمِنُ الْبَالِغُ، وَيُصَرِّحُ بِمَا قُلْنَا مَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ حَيْثُ قَالَ فِي بَابِ نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ: وَلَا يُجْبَرُ الْمُوسِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ مِنْ قَرَابَتِهِ إذَا كَانَ رَجُلًا صَحِيحًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ إلَّا فِي الْوَلَدِ خَاصَّةً أَوْ فِي الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ إذَا مَاتَ الْوَلَدُ فَإِنِّي أُجْبِرُ الْوَلَدَ عَلَى نَفَقَتِهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا انْتَهَى.

وَهَذَا جَوَابُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ يَشُدُّ قَوْلَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>