غَيْر أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ فِي الْجُمْلَةِ لَا إحْرَازُهُ، فَإِنَّ الْمُعْسِرَ إذَا كَانَ لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَى خَالِهِ وَمِيرَاثُهُ يُحْرِزُهُ ابْنُ عَمِّهِ (وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ) لِأَنَّهَا تَجِبُ صِلَةً وَهُوَ يَسْتَحِقُّهَا عَلَى غَيْرِهِ فَكَيْفَ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ، إذْ الْمَصَالِحُ لَا تَنْتَظِمُ دُونَهَا، وَلَا يَعْمَلُ فِي مِثْلِهَا الْإِعْسَارُ. ثُمَّ الْيَسَارُ مُقَدَّرٌ بِالنِّصَابِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِمَا يَفْضُلُ عَلَى نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ شَهْرًا أَوْ بِمَا يَفْضُلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ الدَّائِمِ كُلَّ يَوْمٍ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَإِنَّمَا هُوَ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ فَإِنَّهُ لِلتَّيْسِيرِ
عَلَى الَّتِي لِأَبٍ وَخُمُسٌ عَلَى الَّتِي لِأُمٍّ لِأَنَّ مِيرَاثَهُنَّ مِنْهُ كَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الرَّدِّ عَلَيْهِنَّ.
(قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ) هَذَا هُوَ الْجَوَابُ الَّذِي أَسْلَفْنَاهُ وَقَدَّمْنَا تَقْرِيرَهُ. وَإِيضَاحَهُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْوَارِثِ غَيْرُ مُرَادَةٍ، فَإِنَّهُ لِمَنْ قَامَ بِهِ الْإِرْثُ بِالْفِعْلِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ مَنْ تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ وَلَا نَفَقَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَتَعَذَّرَتْ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ، فَكَانَ الْمُرَادُ مَنْ يَثْبُتُ لَهُ مِيرَاثٌ، وَالْخَالُ كَذَلِكَ فَوَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَجِبْ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ لِعَدَمِ الْمَحْرَمِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ خَالٌ وَعَمٌّ أَوْ عَمَّةٌ فَإِنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ عَلَى الْعَمِّ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ، وَإِحْرَازُ الْعَمِّ الْمِيرَاثَ فِي الْحَالِ لَوْ مَاتَ، فَلَوْ كَانَ الْعَمُّ مُعْسِرًا وَجَبَتْ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالِ أَثْلَاثًا عَلَى الْعَمَّةِ الثُّلُثُ وَيُجْعَلُ الْمُعْسِرُ كَالْمَيِّتِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ أَهْلِيَّةُ الْمِيرَاثِ لَا إحْرَازُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُحْرِزُ لِلْمِيرَاثِ غَيْرَ مَحْرَمٍ وَمَعَهُ مَحْرَمٌ، أَمَّا إذَا ثَبَتَتْ مَحْرَمِيَّةُ كُلِّهِمْ وَبَعْضِهِمْ لَا يُحْرَزُ الْمِيرَاثُ فِي الْحَالِ كَالْخَالِ وَالْعَمِّ إذَا اجْتَمَعَا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ إحْرَازُ الْمِيرَاثِ فِي الْحَالِ وَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ، وَإِذَا اتَّفَقُوا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ وَالْإِرْثُ فِي الْحَالِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ فَقِيرًا جُعِلَ كَالْمَعْدُومِ وَوَجَبَتْ عَلَى الْبَاقِينَ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ الْيَسَارُ مُقَدَّرٌ بِالنِّصَابِ) أَيْ بِنِصَابِ الزَّكَاةِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَالْأُخْرَى بِمَا يَفْضُلُ عَنْ كَسْبِهِ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى لَوْ كَانَ كَسْبُهُ دِرْهَمًا وَيَكْفِيهِ أَرْبَعَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute