وَكَذَا لَا تَمْلِكُ الْأُمُّ فِي النَّفَقَةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ فِي مَالِ الْغَائِبِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ فَالْأَبُ أَوْلَى لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ لِأَنَّهَا مُحْصَنَةٌ بِنَفْسِهَا، وَبِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ مِنْ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ أَصْلًا فِي التَّصَرُّفِ حَالَةَ الصِّغَرِ وَلَا فِي الْحِفْظِ بَعْدَ الْكِبَرِ. إذَا جَازَ بَيْعُ الْأَبِ فَالثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ فَلَهُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْعَقَارَ وَالْمَنْقُولَ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ لِكَمَالِ الْوِلَايَةِ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِنَفَقَتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ (وَإِنْ كَانَ لِلِابْنِ الْغَائِبِ مَالٌ فِي يَدِ أَبَوَيْهِ وَأَنْفَقَا مِنْهُ لَمْ يَضْمَنَا) لِأَنَّهُمَا اسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى مَا مَرَّ وَقَدْ أَخَذَا جِنْسَ الْحَقِّ
الْقِيَاسِ بِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ تَنْقَطِعُ بِبُلُوغِ الصَّبِيِّ رَشِيدًا إلَّا فِيمَا يَبِيعُهُ تَحْصِينًا عَلَى الْغَائِبِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَيْدَ الرَّشِيدِ لَيْسَ مُعْتَبَرًا فِي انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْأَبِ. نَعَمْ إذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ الرُّشْدُ أَوْ يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً عَلَى مَا عُرِفَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ حَتَّى أَمْكَنَهُ أَنْ يُبَاشِرَ الْعُقُودَ الْمُوجِبَةَ لِلدَّيْنِ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ فِي جَوَابِ أَبِي حَنِيفَةَ هُنَاكَ: إنَّ مَنْعَ الْمَالِ لَا يُفِيدُ مَعَ فَكِّ الْحَجْرِ لِأَنَّهُ يُتْلِفُهُ بِلِسَانِهِ بِأَنْ يُبَاشِرَ الْعُقُودَ إلَى آخِرِ مَا عُرِفَ فِي بَابِ الْحَجْرِ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا لَا تَمْلِكُ الْأُمُّ فِي نَفَقَتِهَا) مَعَ أَنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِلْأَبِ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ، وَكَذَا لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِهِ مَعَ عُمُومِ وِلَايَتِهِ.
(قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) حَاصِلُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَبِ وَغَيْرِهِ بِثُبُوتِ وِلَايَةِ حِفْظِ مَالِ الِابْنِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ، وَبَيْعُ الْعُرُوضِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ، وَإِذَا مَلَكَهُ الْوَصِيُّ فَلَأَنْ يَمْلِكَهُ الْأَبُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ وَغَيْرُهُ يَسْتَفِيدُهَا مِنْهُ، وَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ صَارَ الْحَاصِلُ عِنْدَهُ الثَّمَنَ وَهُوَ جِنْسُ حَقِّهِ فَيَأْخُذُهُ، بِخِلَافِ الْعَقَارِ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ بِالْبَيْعِ فَلَيْسَ لِلْأَبِ بَيْعُهُ إلَّا بِمَحْضِ الْوِلَايَةِ وَذَلِكَ عِنْدَ صِغَرِ الْوَلَدِ أَوْ جُنُونِهِ، وَمُقْتَضَى هَذَا صِحَّةُ بَيْعِ الْأَبِ لِلْعُرُوضِ عَلَى الْكَبِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلدَّيْنِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فَلَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ، لَكِنْ نَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْأَقْضِيَةِ جَوَازَ بَيْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute