. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الطَّلَاقِ، وَبَيَانُ مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ يُبَيِّنُ نَفْسَ الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ مِنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَالنَّدْبِ وَالسَّرَيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْإِعْتَاقِ مِنْ الْمَحَاسِنِ فَإِنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ، فَالْعِتْقُ إزَالَةُ أَثَرِ الْكُفْرِ وَهُوَ إحْيَاءٌ حُكْمِيٌّ لِأَثَرٍ حُكْمِيٍّ لِمَوْتٍ حُكْمِيٍّ. فَإِنَّ الْكَافِرَ مَيِّتٌ مَعْنًى.
فَإِنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِحَيَاتِهِ وَلَمْ يُذَقْ حَلَاوَتَهَا الْعُلْيَا فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُوحٌ، قَالَ تَعَالَى ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ أَيْ كَافِرًا فَهَدَيْنَاهُ، ثُمَّ أَثَرُ ذَلِكَ الْكُفْرِ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ سَلْبُ أَهْلِيَّتِهِ لِمَا تَأَهَّلَ لَهُ الْعُقَلَاءُ مِنْ ثُبُوتِ الْوِلَايَاتِ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ إنْكَاحِ الْبَنَاتِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَالشَّهَادَاتِ وَعَلَى نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَصِحَّ نِكَاحُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ، وَامْتَنَعَ أَيْضًا بِسَبَبِ ذَلِكَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجَنَائِزِ، وَفِي هَذَا كُلِّهِ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَا يَخْفَى، فَإِنَّهُ صَارَ بِذَلِكَ مُلْحَقًا بِالْأَمْوَاتِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصِّفَاتِ، فَكَانَ الْعِتْقُ إحْيَاءً لَهُ مَعْنًى، وَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَانَ جَزَاؤُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا كَانَ الْعِتْقُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ الْإِعْتَاقَ مِنْ نَارِ الْجَحِيمِ الَّتِي هِيَ الْهَلَاكُ الْأَكْبَرُ. قُوبِلَ إحْيَاؤُهُ مَعْنَى بِإِحْيَائِهِ مَعْنًى أَعْظَمَ إحْيَاءً كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ سَيِّدِ الْأَخْيَارِ، مِنْهَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
رَوَاهُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» وَفِي لَفْظٍ «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ وَالْبَاقُونَ فِي الْعِتْقِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ «أَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتْ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنْ النَّارِ» وَزَادَ أَبُو دَاوُد «وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ إلَّا كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ يُجْزِي مَكَانَ عَظْمَيْنِ مِنْهُمَا عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ» وَهَذَا يَسْتَقِلُّ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اسْتِحْبَابِ عِتْقِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ عِتْقَهُ بِعِتْقِ الْمَرْأَتَيْنِ بِخِلَافِ عِتْقِهِ رَجُلًا.
وَالْعِتْقُ وَالْعَتَاقُ لُغَةً عِبَارَتَانِ عَنْ الْقُوَّةِ، وَمِنْهُ عَتَاقُ الطَّيْرِ لِجَوَارِحِهَا. وَعَتَقَ الْفَرْخُ إذَا قَوِيَ عَلَى الطَّيَرَانِ، وَفَرَسٌ عَتِيقٌ إذَا كَانَ سَابِقًا وَذَلِكَ عَنْ قُوَّتِهِ، وَالْبَيْتُ الْعَتِيقُ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْقُوَّةِ الدَّافِعَةِ عَنْهُ مِلْكَ أَحَدٍ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ، وَقِيلَ لِلْقَدِيمِ عَتِيقٌ لِقُوَّةِ سَبْقِهِ، وَلِلْخَمْرِ إذَا تَقَادَمَتْ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهَا لِقُوَّةِ تَأْثِيرِهَا، وَبِاعْتِبَارِ الْقِدَمِ وَالسَّبْقِ جَاءَ بَيْتُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ:
عَلَيَّ أَلْيَةٌ عَتَقَتْ قَدِيمًا … وَلَيْسَ لَهَا وَإِنْ طَلَبَتْ مَرَامُ
يَعْنِي قُدِّمَتْ وَأَنَّهَا لَا تُرَامُ بِحِلٍّ، وَبَعْدَهُ:
بِأَنَّ الْغَدْرَ قَدْ عَلِمَتْ مُعَدٌّ … عَلَيَّ وَجَارَتِي مِنِّي حَرَامُ
الْمَعْنَى أَنَّهُ حَلَفَ مِنْ قَدِيمٍ أَنَّهُ لَا يَغْدِرُ وَلَا يَزْنِي بِجَارَتِهِ، وَكَذَا تَقُولُ عَتَقَتْ إذَا سَبَقَتْ وَذَلِكَ لِفَضْلِ الْقُوَّةِ، وَالْعِتْقُ أَيْضًا يُقَالُ لِلْجَمَالِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الصِّدِّيقُ عَتِيقًا لِجَمَالِهِ، وَقِيلَ لِقَدَمِهِ فِي الْخَيْرِ.
وَقِيلَ لِعِتْقِهِ مِنْ النَّارِ، وَقِيلَ لِشَرَفِهِ فَإِنَّهُ قُوَّةٌ فِي الْحَسَبِ وَهُوَ مَعْنَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْكَرِيمِ: يَعْنِي الْحَسِيبَ. وَقِيلَ قَالَتْ أُمُّهُ لَمَّا وَضَعَتْهُ هَذَا عَتِيقٌ مِنْ الْمَوْتِ وَكَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، وَكُلُّ هَذِهِ الْمَفْهُومَاتِ تَرْجِعُ إلَى زِيَادَةِ قُوَّةٍ فِي مَعَانِيهَا، وَقِيلَ هُوَ اسْمُهُ الْعَلَمُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَبَبَ وَضْعِهِ لَهُ الْجَمَالُ أَوْ تَفَاؤُلًا لَهُ بِالْحَسَبِ الْمُنِيفِ أَوْ بِعَدَمِ الْمَوْتِ، وَإِذَا كَانَ الْعِتْقُ لُغَةً الْقُوَّةُ فَالْإِعْتَاقُ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَبْسُوطِ.
وَالْعِتْقُ فِي الشَّرْعِ: خُلُوصٌ حُكْمِيٌّ يَظْهَرُ فِي الْآدَمِيِّ عَمَّا قَدَّمْنَاهُ ثَابِتًا بِالرِّقِّ، وَلَا يَخْفَى ثُبُوتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ بِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَعَنْ هَذَا يُقَالُ: إنَّهُ الْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ